لقد طال التراشق والجدل حول كتابات ومواقف بعض المثقفين الذين طالتهم حملات التكفير وتراوحت ردود الفعل من هذه الحملات بين مؤيد ومعارض، ودخلنا جميعاً في مهرجان من الجدل والنقاش المحموم، في وقت نحن فيه بأمس الحاجة للاصطفاف الوطني في مواجهة مختلف التحديات. ولست هنا في معرض الهجوم أو الدفاع عن أحد، فلربما أخطأ بعض الإخوة المثقفين في تناول الذات الإلهية، ومن حق أحدنا أن يوجه اللوم والنقد إليهم لأنهم في النهاية خطاءون مع قناعتي بأن ما يجوز للشاعر لا يجوز لغيره.. فقد قال الشاعر العراقي الرافض للواقع العربي والمتذمر من الأنظمة العربية مظفر النواب مخاطباً الحاكم العربي المجرد «بعت الله.. بعت القدس» وهذا لا يعني بالطبع أن الله سبحانه وتعالى تنزّه عن كل شيء سلعة تشترى وتباع. ومع ذلك فإنني لا أرى أي سبب يدعو بعض مثقفينا لتناول الذات الإلهية كقيمة جدلية ويخوضون في مسائل تتعلق بالعلَّة الأولى أو الموجود الأول والحقيقة المطلقة والحقيقة النسبية والموضوعية وما إلى ذلك.. فنحن نعيش في مجتمع له قطعياته ومسلماته الإيمانية التي لا تقبل الجدل ويصبح الخوض في هذه المسائل نوعاً من الترف الفكري نحن في غنى عنه وخاصة في الظروف الراهنة التي تفرض علينا الانهماك في المسائل ذات الصلة بهموم المواطن واستكمال مهام الثورة الشبابية الشعبية بعيداً كل البعد عن الدروب الفرعية التي قد تقودنا إلى منزلقات خطيرة. وهناك لا شك قضايا رئيسية ومشاكل جمة يواجهها الإنسان اليمني وهو بحاجة ماسة إلى من يعينه على تحمل أعبائها الثقيلة.. فهناك لا شك صراعات سياسية مركبة مازالت تدور رحاها حتى اليوم وتشكل خطراً داهماً على مستقبله ومستقبل أجياله من بعده.. و ظروفه لا تسمح بأي شكل من الأشكال بانفجار صراعات ذات طابع فكري. الأمر الذي يجعلنا نستصرخ روح المسئولية الوطنية لدى الجميع، مناشدين إياهم العمل على إيقاف الحملات التعبوية الديماغوجية وتحريض المجتمع على أفراده واستدعاء مرحلة تاريخية مظلمة من تاريخ الإنسانية ممثلة بمحاكم التفتيش التي غيّبت الفكر النقدي وأسقطت العقل ونصّبت المشانق والمقاصل لرجال الفكر والعلوم الناسوتية، والعمل على خلق انصهار وطني لكافة فصائل العمل الوطني مادامت ذاكرتها التاريخية واحدة لا تقبل التجزيء.