ماذا تعني كلمة «أنا حر»، فهي تتردد على مسامعنا كثيراً وبالذات في هذه الأيام والكل يرددها صغاراً وكباراً، وعلى الرغم من أننا نسمعها بكثرة إلا أننا لم ننتبه يوماً للمعني الحقيقي لها وما هو مفهوم الحرية في نظر مجتمعاتنا وما هو حدودها. المفهوم الشائع للحرية هي «أن نفعل ما نريد في الوقت الذي نريد وبالطريقة التي نريد دون أية قيود أو تدخل من أي طرف».. والأدهى من ذلك أن هذا المفهوم أصبح منتشراً بين كل الفئات رجالاً ونساءً صغاراً وكباراً. الحرية تحتمل الكثير من المفاهيم اجتماعياً وسياسياً وفنياً وأدبياً وغيرها وخاصة في تلبية احتياجات الأفراد ورغبتهم في تحقيق طموحاتهم وأحلامهم، ولكننا وخاصة في مجتمعنا اليمني رهن الكثير من القيود الاجتماعية والأعراف والعادات والتقاليد، فالحرية الشخصية لا وجود لها عندما تمس عرفاً من أعرافنا ومعتقداتنا التي تربينا عليها. المعنى الحقيقي للحرية لا يفهمها إلا أصحاب العقول الناضجة الذين يرون الحياة حرية وعزة، فالحرية تعني الوجود وصراع المعتقدات الخاطئة من أجل مجتمع أفضل وتحقيق سيادة وحرية بلدانهم، الحرية هي تأدية الواجب والتغلب على المبادئ السيئة وضبط النفس والتطلع إلى ما هو أرقى وأصلح للجميع ومن يخدم الحق يسمو به وتحترمه النفوس ويصل إلى المفهوم الحقيقي للحرية والرضا وراحة الضمير، وفي هذه اللحظة يكون قد أدى واجبه بكل حرية وبدون إكراه من أحد تغلب على شهواته وأصبح حراً طليقاً منها ومن قيودها، وبهذا فالمعنى الحقيقي للحرية هو أن تتحرر من الشهوات والغرائز البشرية التي تؤدي بالإنسان ليكون عبداً لها في أي وقت تأمره، وبذلك يدوس على كل المبادئ والقيم الإنسانية والأخلاقية التي تسمو به وترفعه أمام نفسه وأمام الآخرين. الإنسان يكون حراً عندما يفعل ما يتوجب عليه فعله ويحقق ما يجب عليه تحقيقه، فالحرية هي من شروط الفضيلة، فكثير من الأديان اعتبرت الحرية هي خدمة الله وعبادته وتحرير الروح من قيود الجسد وعدم الركض وراء العواطف والرغبات. لوجود حرية لابد من وجود نظام سياسي تحكمه قوانين تعمل على تنظيم الحياة العامة، وهذا هو رأي مونتشكيو.. حيث قال بالنظام الديمقراطي السياسي الذي يسمح به للأفراد بالقيام بما يريدون في ظل شروط يضعها القانون، فالقوانين هي التي تنظم العلاقات داخل المجتمع وتضمن الحرية، وهذا النمط من الحرية يوجد داخل حكومات معتدلة تقوم على مبدأ الجمهورية وتقوم على الفضيلة فغايتها هي ضمان الخير الأسمى للمجتمع، وهكذا يمكن للدولة أن تضمن الحرية للأفراد في ممارسة حرياتهم في ظل القانون مادام أنها لا تمس بحرية الآخرين بأي حال. من الصعب جداً أن نحدد بالضبط مفهوم الحرية، لأن هذا الموضوع بالذات متشعب وقد لاقى اختلافات كثيرة في الآراء وتفسير معنى ومفهوم الحرية من قبل كثير من العلماء والفلاسفة والمفكرين، ولكن أغلبهم اتفق على أن المعنى الأسمى والأصلح للحرية هي احترام النظام وتطبيق القانون وضبط النفس من كل ما يمكن أن يسقطها ويجعلها عبداً للغرائز والشهوات. وأخيراً أقول إن الحرية تبلغ كمالها في الدولة ويجب علينا الاهتمام بالحرية على صعيد المفهوم والقيمة. هذا هو رأيي وأعتز به وأسأل الله بأن نظل دائماً أحراراً.