مقاربة تربوية في ضوء الثورة شاهدان كبيران على ضعف التوازن: ظاهرة البراءة من الحزبية والإخوان (فوبيا) إذا كان الدافع للبحث في جوهر التحدّيات التي تواجه تجمّع الإصلاح الذي غدا ملك المجتمع اليوم – قبل أن يكون ملك نفسه وأفراده- هو البحث عن الخلل بتواضع خُلُقي، ومنهج علمي، ومستوى مسئول وجادّ، وصولاً إلى الحقيقة، كي لا نستمر في اللدغ من الجُحر الواحد ألف مرّة؛ فليس من السهل تجاوز مسألة حساسية الشارع اليمني في أغلبيته بما في ذلك بعض النخب السياسية والفكرية من ظاهرة الحزبية والحزبيين، هل استطاع الإصلاح أن يكون استثناء في ذلك؟ أم أن مشكلته تجاهها أعقد وأكثر إشكالاً؟ تأتيك الإجابة واضحة من خلال شاهدين كبيرين: أحدهما: ظاهرة البراءة من الحزبية : وتتجلّى في ذلك الإصرار المستميت من قبل السلطة السياسية ممثلة في حزبها الحاكم (المؤتمر الشعبي)، ومعها أذيالها وأبواق أجهزتها الأمنية، حتى في ساحات التغيير ذاتها وجمهرة من المغفّلين أو المستغفلين حتى من داخل الأحزاب ذاتها على أن الأحزاب السياسية – والإصلاح بوجه خاص- هي من قاد ويقود الثورة الشعبية السلمية! وبدلاً من أن تناقش الأحزاب - ومنها الإصلاح- ذلك برويّة بحيث لاتسارع إلى نفي المقولة دفعة واحدة، على نحو ما جرى تقريباً؛ فهل هي (تهمة) حقيقية كي تُنفى على ذلك النحو؟ أم يمكن استحضار مقولة: “ تهمة لانُنكرها وشرف لاندّعيه” – مثلاً- لكن المحزن أنّها – من حيث تدرك أو لاتدرك- وقعت في شرك ذلك الفخ، فانجرّت إلى مشايعة تلك المقولة وعدّتها (تهمة)،أي كونها من يشرُف – قبل أي طرف آخر-بالوقوف وراء صناعة ثورة الربيع اليمني، ولذلك تم غضّ الطرف عن رفع شعار سيء وغير واقعي حصل رفعه في بعض ساحات التغيير وربما من قبل شباب الأحزاب – ومنهم الإصلاح- ولا سيما في أكبرها وأوسعها بإطلاق وهي ساحة صنعاء منذ الأيام الأولى للثورة وهو الشعار القائل: ( لاحزبية ولا أحزاب ثورتنا ثورة شباب)، وفي تلك المشايعة من الأحزاب – بمن فيها الإصلاح- اعتراف شبه صريح بأنّ الحزبية جميعها: إسلامية أو غير إسلامية (خيانة وطنية)، أو رجس من عمل الشيطان يجب اجتنابه، لإثبات البراءة والطهر!! مع ما يعلمه كل متابع لشأن الثورة الشبابية الشعبية في اليمن أن الأحزاب -وحزب الإصلاح على وجه الخصوص- هو من قاد هذه الثورة في عمومها، بل هذه الأحزاب هي من تسلّمت زمام السلطة في الحكومة المؤقتة، كمحصلة أساس لنضال شبابها وأعضائها في مختلف الساحات وميادين التغيير في عموم محافظات البلاد، فهل يُعقل أن ذلك لايُمثّل الثورة وشبابها ؟ أو أن الشباب في الساحات والميادين كانوا عاجزين عن الإعلان عن ثورة جديدة على الحكومة الجديدة، لو كانت حقّاً لا تمثل أغلبيتهم – على الأقلّ- ؟ الحق أن ذلك ممثل لأغلبيتهم الذين ينتمون إلى أحزاب -وفي مقدّمتهم حزب الإصلاح- وما التفاف أغلبيتهم الغالبة، نحو حكومة الوفاق الوطني ومرشّح الرئاسة التوافقي المشير عبد ربّه منصور هادي؛ إلا دلائل على ذلك . وإذا كانت بعض استطلاعات الرأي - حسب مركز أبعاد للدراسات- توقّعت أن نسبة شباب الساحات المؤيدين للمشاركة في الانتخابات الرئاسية قبيل إجرائها قُدِّر ب80 %؛ فإن الواقع الفعلي أكّد أن نسبتهم تجاوزت ذلك عملياً. والواقع أنّه من غير المتصوّر من الأساس قيام ثورة – ناهيك عن نجاحها- في واقع كواقع المجتمع اليمني حالياً بلا مشاركة للأحزاب - وحزب الإصلاح على وجه الخصوص- . وصحيح أنّ الأحزاب جميعها لم تكن متبنّية لفكرة الثورة على ذلك النحو، بل كان موقفها لايزال مع الحوار الجادّ مع النظام السياسي ومحاولة إصلاحه ما أمكن، بيد أنّها حين لم تلمس جدّيته سارعت إلى تبنّي خيار الثورة منذ الأيام الأولى لها، ووجهت عناصرها رسمياً وإلزامياً للانخراط في صفوفها. والحق أنّه لولا تولّي قيادة الأحزاب لمسارها – وحزب الإصلاح في المقدّمة- لارتُكبت حماقات، وخرجت الثورة عن هدفها السلمي، من جرّاء استفزازات النظام وبلاطجته وعنفه في غير ما موقف ومرحلة، ولكثرة المناداة الصاخبة بجملة (الحسم الثوري)، وهو العنوان الذي تداخل فيه الممكن مع المستحيل، واتضح لاحقاً – وربما منذ اللحظات الأولى لدى البعض- أن المصطلح لايخلو من (هلامية) في أحسن الظنون، ومن (خُبث) في أسوأها، ومفاده المباشر البسيط: الانجرار نحو عملية انتحار جماعي لدى نظام أرعن، أدمن الجريمة، لايتورّع عن القتل بأي طريقة وأيّ عدد. أمّا إن جئت لإجابة تبدو أكثر مقاربة للحقيقة من زاوية سرّ ذلك (التفزيع) بالأحزاب فهي أنها جميعاً – ومنها الإصلاح- لم تقم بدورها طيلة تاريخها في مساندة الشعب – كل الشعب وليس أعضاء أحزابها وحدهم- لنيل حقوقه عملياً في المواطنة بكل متضمناتها وأهمها –عنده- ضمان الحصول على حدّ معقول من الحياة الكريمة، ونيل الحقوق المدنية الأساسية الأخرى في حدودها المعقولة، ليتميّزوا عن معاناته من السلطة السياسية الفاسدة، التي استأثرت بالسلطة والمال والأعمال، وبغت و وانتهكت المحظور، بيد أن الحقيقة أن الأحزاب لم تصعّد خطابها تجاه السلطة السياسية قبيل الثورة إلا لتسلّم السلطة والفوز بالانتخابات النيابية ثم الرئاسية، وفق منطق (الهبّة الشعبية) التي أعلنت عنها أطراف اللقاء المشارك ومؤتمر الحوار الوطني، ردّاً على تخرّصات حزب المؤتمر الشعبي العام (الحاكم)، الذي كان يعتزم المضي في إجراء الانتخابات النيابية منفرداً، بل مستفزّاً للجميع بمقولة (خلع) العدّاد الرئاسي على لسان أحد صقوره (البائسين)! وفرض منهج (التوريث) لنجل صالح الأكبر (أحمد)، زعماً منه بأنّ ذلك يأتي التزاماً بموعد الاستحقاق المفترض وهو إبريل 2011م، الموعد الذي كان مضروباً منذ العام 2009م، للانتخابات البرلمانية! الشاهد الثاني: الإخوان (فوبيا) حين أقدمت السلطة وبلاطجتها على العدوان على حيّ الحصبة ومنزل الشيخ صادق الأحمر، وحين وقعت الاشتباكات المسلّحة بين السلطة وبلاطجتها من طرف وأنصار الشيخ صادق الأحمر من الطرف الآخر، وكذا حين كان يقع العدوان بين الفينة والأخرى على الجيش المؤيّد للثورة، أو القبائل المناصرة لها في مناطق أرحب أو نهم أو الحيمة أو سواها؛ كان التسويق الإعلامي للسلطة قائماً على أساس أن هؤلاء جميعاً هم: ميلشيات (الإخوان المسلمون)، أو بالتعبير الإعلامي لبقايا النظام وقتذاك: (الإصلاح – الإخوان المسلمين)، ولم يكن يذكر سوى مصطلح (الإصلاح – الإخوان المسلمين) هكذا باضطراد إعلامي لافت، وذلك كلّه يحمل دلالات ورسائل داخلية وخارجية، لكن أهمها -فيما نحن بصدده- : التخويف الداخلي ب(فوبيا) الإصلاح – الإخوان، وحيث إن نسبة غير قليلة من أبناء الشعب ربما لايدركون مصطلح (الإخوان المسلمون)؛ فكان لابدّ من جرّهم إلى الربط بين الإصلاح الذي عرفت به الحركة الإسلامية في اليمن وبين الإخوان المسلمين الذين تسعى جهات كثيرة داخلية وخارجية لتقديمهم على أساس أنهم أساس (الإرهاب) وصناعة (العنف) وملاذ الجماعات (المسلّحة) وعلى رأسها: القاعدة، حيثما حلّوا، ثمّ لتحقيق هدف محلّي فحواه أنّ الانتماء إلى الإصلاح أو الإخوان أسوأ من الانتماء لأي طرف سياسي آخر، وفي ذلك مخاطبة لذهنية قطاع واسع من أبناء المجتمع اليمني ومشاعرهم، بحيث يتم تذكّر معاني الانتماء الحزبي التي انقدحت في أذهانهم، بكل ما يحمله ذلك الانتماء من أدواء الحزبية وآفاتها، من حيث التعصّب والتخندق والإقصاء للمخالف، والربط بين ذلك وبين حصول الويل والثبور وعظائم الأمور، على البلاد والعباد، إن هم توصّلوا إلى مقاليد السلطة في البلاد . والسؤال هنا مجدّداً: فأين بناء الفرد ثمّ الأسرة ثم المجتمع في أغلبيته على تقبّل توجّه الإصلاح، ودحض الشائعات المغرضة من جانب أغلبية الشعب بعد عقود من تثقيفه وتنشئته على حب الدين والمتديّنين؟ ومن ثم إذا حان وقت إقامة الحكومة (الرشيدة) التي نادى بها المؤسس الراحل: حسن البنا فلن يكون هناك ممانعة على نحو ما نلاحظه اليوم من خلال مؤشر كبير هو الثورة السلمية، بالنظر إلى من يوصف بأنّه يقف وراءها! أم أن الخصوصية اليمنية في الشراكة السياسية باتت تأخذ صفة الدوام والخلود، ومن ثمّ فلها طريقتها المستقلة المناقضة لأسس التربية السياسية – والإخوانية جزء منها- ومنهجها في العالم، من حيث التدرّج والبناء والتأثير المجتمعي؟ ولئن حدث مثل ذلك – ولا أحسبه كذلك على نحو يذكر نظرياً على الأقل- فهو مما يقتضي إعادة النظر في أبجديات التكوين التربوي – بمفهومه الشامل العميق- والبحث عن الرؤية الاستراتيجية - لا الاقتصار على التكتيك والنظرة المرحلية الراهنة وحدها- لتجمّع الإصلاح في الفكر السياسي ومتغيّراته ؟