لست خبيراً في شئون الإرهاب وتنظيم القاعدة ولا أدعي ذلك، ولكن أظن أنني أقدم قراءة لنشاط وتحركات القاعدة المتسارعة وهي تحاول أن تفرض واقعاً جديداً لها عجزت عن إيجاده سابقاً. هذا الواقع الجديد تمثل في نوعية العمليات الإرهابية التي شنها التنظيم، كاستهداف القصر الجمهوري في المكلا، وتفجير طائرة “انتينوف” في قاعدة الديلمي وآخرها، بل وأبشعها تلك المجزرة الدامية التي حدثت في دوفس أبين حيث راح ضحيتها أكثر من 200جندي، دفعتهم ظروفهم الحياتية للالتحاق بأجهزة الأمن، ليؤمنوا لهم ولذويهم حياة حرة وشريفة، إلا أن أعداء الحياة وأعداء الثورة والتغيير أدمنوا العيش على الفتن والحروب والدماء. هذه المجزرة لم تكن لتحدث بتلك الصورة الإجرامية البشعة لو لم يكن هناك تواطؤ واضح وتنسيق متعمد من قبل قيادات عسكرية متنفذة لها ارتباطات نفعية مع تنظيم القاعدة الذي تناسل وفرخ قواعد وأنصاراً وجماعات مسلحة بإمكانها أن تستولي على مدن “كأنصار الشريعة” في أبين الذين استولوا على زنجبار وكذلك انصار طارق الذهب الذين حاولوا تكرار تجربة زنجبار في رداع والأهم والأخطر هو تنظيم القاعدة الجديد والمطور بنسخته الجديدة في اليمن موديل 2012، والذي يمتاز بمواصفات فريدة وحديثة، حيث صار بإمكانه الاستيلاء على المدن والمعسكرات وتفجير الطائرات، وحتى باستطاعته الوصول إلى القصور الرئاسية. عرفنا تنظيم القاعدة يستهدف السفارات الأجنبية الأمريكية والبريطانية بالذات، يهاجم مصالح أمريكا والغرب.. يخطف السياح الأجانب للحصول على فدية مالية أو لإطلاق سجنائه.. لكننا لم نعرف هذا النوع من القاعدة الذي يهاجم المعسكرات ويستولي على معدات ثقيلة، ويقتل الجنود الأبرياء، ويروع الآمنين وينهب البنوك والمحلات، ويستولي على المدن، وكل هذا باسم الشريعة وتطبيق أحكام الإٍسلام.. أي شريعة تبيح لك ذبح جنود أبرياء؟! أظن أن أقرب مثال ينطبق على هؤلاء ما يفعله الحوثيون في صعدة ، تراهم يصرخون “الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل” والموتى فقط هم يمنيون على أيديهم. والسؤال الذي يفرض نفسه هو: لماذا نشطت القاعدة في هذا التوقيت وخاصة مع بدء الانتقال السلمي للسلطة؟ ولماذا استهدفت القصر الجمهوري في المكلا بعد ساعتين فقط من أداء الرئيس عبدربه منصور هادي اليمين الدستورية في مجلس النواب رئيساً جديداً لليمن؟ ولماذا بالذات كثفت من عملياتها النوعية والجريئة ضد الجيش والأمن عند الحديث عن قرب هيكلة الجيش والأمن؟ ومنذ متى يتبنى تنظيم القاعدة عملياته الإرهابية بعد ساعات قليلة من وقوعها وقد عهدناه لا يبوح بأسراره إلا بعد أيام؟ بدهياً.. إن الطرف المتضرر من هيكلة الجيش ومَنْ ساءه حدوث التغيير هو من سيحاول وضع الصعاب والعراقيل أمام الهيكلة المرتقبة ولو كان ذلك على حساب أرواح بريئة ودمار وخراب اليمن. القاعدة.. نعم موجودة في اليمن، ولكن ليست بالحجم الذي يمكنها أن تهاجم المعسكرات وتستولي على السلاح والعتاد، وأن تعلن عن إمارات في بعض المدن وتتوعد أخرى. أكاد أجزم أن هناك أيادي تدميرية هي من سهلت للقاعدة مذبحتها في دوفس.. وأجزم أن هناك من جعل القاعدة وسيلة لابتزاز الخارج طلباً للدعم العسكري والمالي لتخويف معارضيه وضمان بقائه في السلطة. وأجزم يقيناً أن هناك تحالفاً وارتباطاً بين أعداء الحرية والأمن والتغيير وبين تنظيم القاعدة بأشكاله وصوره الجديدة “أنصار الشريعة. وأظن أن سلة الثعابين التي كان الرئيس السابق يتفنن في مراقصتها، ويدخرها لديه وقت الحاجة والطلب أظن أنها قد فتحت لتعيث بالجسد اليمني قتلاً وذبحاً ودماراً. ترى هل يُراد لليمن أن تتحول إلى أفغانستان جديدة.. وتكون أرض الجنوب وجبال اليمن ساحة حرب لطائرات أمريكا؟ في اعتقادي الشخصي، ومن خلال معطيات ومؤشرات ثمة ما يوحي بذلك، فمثلاً: ماذا وراء دخول أكثر من 300مسلح من مقاتلي حركة الشباب المجاهدين الصومالية إلى أبين؟! تصريحات السفير الأمريكي المثيرة للجدل والمستفزة لليمنيين، وتدخله السافر بالشأن اليمني، وكأنه “بريمر” اليمن. انتهاك الطائرات الأمريكية دون طيار لحرمة الأجواء اليمنية لكي تقتل من تشاء دون رقيب أو حتى سؤال في محاولة لإثارة العداء والكراهية ضد أمريكا وجر اليمنيين لأن يكونوا “قاعدة”. كذلك لا تتعامل أمريكا بشأن اليمن إلا من خلال “جون برينان” ممثلها لشئون مكافحة الإرهاب. وأيضاً ما السر وراء اعتقال الصحفي عبدالإله حيدر شائع بأوامر أمريكية وعدم الإفراج عنه؟ كل هذه المؤشرات والخيوط لو جمعناها في خيط واحد لرأينا أن اليمن قد يراد لها أن تكون على صفيح ساخن في حرب مزعومة على الإرهاب، لتتمكن أمريكا من فرض أجندتها الخاصة في اليمن وتحت مبرر وغطاء الحرب على الإرهاب، وتكون بذلك قد جرت الشعب اليمني إلى حرب لم يختارها. وحتى لا نفيق ذات يوم وقد بسط “تنظيم القاعدة” المطور في اليمن بالدبابات والصواريخ سيطرته على تراب اليمن وأعلنها إمارة إسلامية يحب فرض هيبة الدولة أولاً من خلال هيكلة الجيش والأمن، ثم القضاء على الإرهاب وتجفيف منابعه بقوة الدستور والقانون.