إذا كانت تقنيات الوسائط المتعددة الرقمية الذكية تقدم للمسرح الجديد فرصاً هائلة لقيم تعبيرية جمالية مُركّبة، فإن هذه التقنيات ذاتها تمثل تحدياً من نوع خاص، والشاهد أن استخدامها المفرط، والتكثُّر في استجلاء قابلياتها التطبيقية يمثل تحدياً كبيراً للمخرج، لأن هذه التقنيات تتطلّب فرق عمل من طراز مختلف. فبالإضافة لأهمية وضرورة إجادة التطبيقات التقليدية في المسرح الأكاديمي، لا بد للفريق العامل من أن يمتلك ناصية التعامل الحرفي مع عجائب الكومبيوتر ومدهشاته القادرة على أن تتحوّل إلى خرائب وإحباطات إذا لم يتم إجادة استخدامها، بالترافق مع الامتلاك المنهجي لرسالة العمل وموسيقاه البصرية والدلالية الخاصة. من هذه الزاوية بالذات ينبغي لفريق العمل المسرحي المعني بالتقنيات الجديدة الانخراط الواسع في عالم الوسائط المتعددة وتقنياتها المُبْهرة، مع امتلاك أساسي لعلمي جمال الشكل والمضمون الناجمين عن ثقافة عالمة، وأُخرى مسرحية أكاديمية نافلة. عالم التقنيات الرقمية والوسائط المتعددة لا يمنح المسرح العربي فرصة جديدة للتغيير فحسب، بل يمنح أيضاً فرصة موازية للانتقال بالعروض المسرحية إلى مستويات جديدة، فمن خلال هذه القابليات يمكن صناعة مسرح تلفزيوني مُغاير، ومسرح اسطوانات رقمية مناسب، بل ومسرحٍ تفاعليّ محمولٍ على أثير الوسائط بأنواعها، وكذا مسرح إذاعي يتمثّل رحابة المسرح الكلاسيكي، فيما ينزاح به قُدماً إلى الأمام . لقد تخلّى العرب منذ عقدين عن المسرح التلفزيوني الذي لم يعد له حضور على شاشاتنا المنتشرة في كل مكان، غير أن الوسائط التقنية الرقمية المتعددة تمنحنا الآن فرصة استثنائية لإعادة إنتاج هذا المسرح الذي ينتقل من الخشبة إلى عموم الجمهور المشاهد لهذه الإشارات، بل يتجاوز حضوره ليشمل كامل الوسائط الذكية المُتنقّلة معنا أينما كنا. [email protected]