إن ما تتعرض له البوابة التاريخية والأثرية العظيمة لمدينة صنعاء القديمة ممثلة بما يسمى باب اليمن من اعتداءات وانتهاكات تخريبية وتشويهية على أيدي مجاميع من البساطين والباعة المتجولين وعدم نقلهم إلى الأسواق المخصصة والمحددة من قبل الدولة والحكومة لهو دليل واضح على إهمال وتقصير وتسيب وعدم مبالاة الجهات والسلطات المختصة ذات العلاقة ممثلة بأمانة العاصمة ومجالسها المحلية ووزارة السياحة ومكاتب البلدية والهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية التي تتعمد غض الطرف عما يتعرض له ذلك الرمز التاريخي والأثري ليمن الحضارة والثقافة والأصالة من تخريب متعمد لجمال روعة التراث اليمني الأصيل وفنونه المعمارية والهندسية الفريدة من نوعها لأقدم مدينة عرفها التاريخ البشري ممثلة بمدينة صنعاء القديمة وما تزخر به من مكانة تاريخية وحضارية على مستوى العالم، والتي أصبحت اليوم محاصرة من جميع أبوابها ومنافذها ومعزولة تماماً عن عشاقها ومحبيها من الأجانب والسياح، التي تعودت على قدومهم وتوافد أفواجهم سنوياً لزيارتها بالمئات والآلاف من جميع أنحاء العالم للتمتع بجمالها الأخاذ والتمعن في روعة الفن المعماري والهندسي لمنازلها وقصورها ومواقعها التاريخية والسياحية المتنوعة كالجامع الكبير وجامع البكيلية وقبة المهدي وقصر غمدان وسمسرة وردة وسمسرة النحاس وسوق الملح وسوق الحلقة والنظارة والمعطارة وأسواق الجنابي والذهب والفضة والعقيق والياقوت وغيرها من المواقع الأثرية التي تزخر بعبق التاريخ والحضارة اليمنية المتوارثة منذ آلاف السنين. وترجع أهم أسباب ذلك إلى إحكام سيطرة البساطين والباعة المتجولين على بوابتها الرئيسة المعروفة بباب اليمن والاستيلاء التام على كافة ساحاته وباحاته وطرقه وممراته الواسعة وتحويلها إلى أسواق شعبية لبيع وشراء الملبوسات والمفروشات والهواتف النقالة والساعات والأدوات المستخدمة والمسروقة التي يتم عرضها على متن المئات من البسطات والعربيات والأكشاك المنصوبة هنا وهناك بطرق عشوائية وفوضوية بأشكال غير لائقة على المدخل الرئيس لباب اليمن وبصورة تغطي وتحجب الجمال المعماري والهندسي والفني لجوانبه وأركانه الداخلية والخارجية وتعيق حركة المارة ودخولهم وخروجهم عبر تلك البوابة التي ظلت لسنوات عديدة ممراً واسعاً لعبور آلاف القوافل التجارية من وإلى صنعاء القديمة والتي لا تكاد تتسع اليوم لمرور عربة القمامة لرفع أكوام المخلفات والقاذورات المتراكمة حول أركان وجدران وجنبات باب اليمن، والتي تفوح منها مختلف الروائح الكريهة والمؤذية لأي كائن بشري، وبالأخص روائح القمامة والفضلات المتناثرة على امتداد ما تبقى من ممرات وطرقات ضيقة تثير اشمئزاز وتقيؤ المارة منذ الوهلة الأولى للدخول أو الخروج عبر بوابة اليمن ونافذته التاريخية والحضارية، الأمر الذي دفع الكثير من الزوار والسياح إلى مقاطعة الدخول إلى صنعاء القديمة لتجنب رؤية المناظر والمشاهد المؤذية لبوابتها الشهيرة وعنوان أصالتها التاريخية، انطلاقاً من مبدأ الجواب يظهر من العنوان، لاسيما إذا أدركنا أن ما يجري من عبث وفوضى وازدحام خانق على باب اليمن لا يقل عما تعانيه بقية أبواب ومنافذ صنعاء القديمة كباب السباح وباب السلام وباب شعوب وباب القاع وباب موسى والباب الكبير في تعز وباب مشرف في الحديدة وغيرها من أبواب ومنافذ المدن اليمنية التاريخية في مختلف المحافظات، مما أدى إلى انقطاع الحركة السياحية في صنعاء القديمة بشكل خاص وفي عموم مدن ومحافظات الجمهورية بشكل عام وحرمان البلاد من أهم مورد ومصدر مالي للدخل القومي، وإصابة النشاط السياحي بالشلل التام في ربوع الوطن بأكمله، لاسيما في ظل تزامن مظاهر الفوضى والعبث بالمدن التاريخية والسياحية مع انتشار وتزايد ظاهرة اختطاف السياح والاعتداء عليهم والتقطع المسلح من قبل بعض العناصر والعصابات التخريبية والإرهابية المنظمة والتي لا تقل خطراً عما يقوم به البساطون والباعة الجوالون من فوضى وتشويه متعمد لشوارع وأحياء المدن التاريخية وطمس معالمها الحضارية ومناظرها السياحية على مرأى ومسمع المسؤولين والمعنيين في الجهات ذات العلاقة الذين أعطوا ضمائرهم إجازة مفتوحة أو باعوها برخص التراب لأعداء الوطن ومخربيه الذين يعبثون بكل ما هو طيب وجميل فيه، وإلا فما هو دور الجهات المسؤولة عن الحفاظ على المدن التاريخية؟ وهل ينتظرون صدور قرار من مجلس الأمن الدولي بإرسال قوات دولية لحراسة باب اليمن والحفاظ على صنعاء القديمة وسائر المدن اليمنية التاريخية؟ أم سيقولون للشعب كما قالت بنو إسرائيل لموسى: (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون)؟ أم سيقولون له: (إن فيها قوماً جبارين وإنا لن ندخلها ماداموا فيها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون)؟. وإلى متى سيظل هؤلاء المسؤولون محنطين وجامدين وعاجزين عن القيام بدورهم وواجباتهم تحت مبرر الرحمة والشفقة لأولئك العابثين وتمكينهم من البحث عن أرزاقهم ومن يعولون؟ والكل يعلم بأن الدولة قد راعت هذه الجوانب وأنفقت مليارات الدولارات لإنشاء وتنفيذ وتنظيم العديد من الأسواق الشعبية والأماكن الخاصة لتعاملات ونشاط الباعة الجوالين وغيرهم. وإلى متى ستستمر معاناة المواطن الذي لم يعد يجد الطريق الآمن للمرور بسلام وقد تحولت الأرصفة والطرق الرئيسة والفرعية إلى محلات تجارية ومخازن لمختلف السلع والبضائع، بالرغم من ملايين الدكاكين والمعارض والأسواق والمحلات التجارية المنتشرة في معظم محافظات الجمهورية؟. وإلى متى سيظل خوف الناس والآباء والأمهات على أطفالهم وهم يقطعون المسافات الطويلة إلى مدارسهم بصورة يومية سيراً على الأقدام وسط صفوف آلاف السيارات والمركبات ووسائل النقل التي يتقاسمون معها ما تبقى من طرق ضيقة غالباً ما تكون مسرحاً لكثير من الحوادث المرورية التي تذهب ضحيتها الكثير من أرواح الأطفال والنساء والمعاقين الذين تضطرهم فوضى الباعة المتجولين المسيطرين على الأرصفة وطرق عبور المشاة إلى المجازفة بأرواحهم والعبور في الطرق الخاصة بالسيارات والمركبات والدراجات النارية التي تسرح وتمرح هي الأخرى في مختلف الاتجاهات ولا تتقيد بأي نظام مروري أو أخلاقي مما يزيد الطين بلة وأكثر خطورة دون رقيب أو حسيب. ولا يقتصر الأمر هنا على فوضى غلق أبواب ومنافذ المدن التاريخية والسيطرة على أحيائها وشوارعها وأرصفتها وطرقها الرئيسة والفرعية من قبل البساطين والباعة المتجولين، بل إن الأخطر من ذلك هو الإهمال المتعمد والمقصود لحرس الحدود وخفر السواحل الذي أتاح لآلاف الصوماليين وغيرهم من مختلف الجنسيات استباحة التراب اليمنية والدخول عبر منافذها البرية والبحرية والجوية دون رقيب ولا حسيب، كما لو كانت اليمن وكالة من دون بوّاب وأصبحت مرتعاً لتنظيم القاعدة وخلاياه الإرهابية التي تجوب البلاد طولاً وعرضاً.. فهل من حارس أمين لهذه البلاد وشعبها؟!.