مدينة تعز وشباب الثورة فيها دائماً يسبقون اليمن بخطوة, ويصنعون من اللاشيء فكرة, ومن الإمكانيات المحدودة إنجازاً تعجز عنه وزارات بميزانياتها. هذه المرة صفحة “مدينة تعز - Taiz City”.. من أعرق صفحات الفيسبوك في اليمن تبتكر أسلوباً إعلامياً جديداً، وتضيف إلى رصيد إنجازاتها نجمة ذهبية, وأنت تتابع مجريات أول استفتاء شعبي إلكتروني في اليمن, لا تملك سوى أن ترفع قبعتك لهؤلاء الفتية الذين يصنعون مستقبل اليمن, ويبذرون الفكرة في عقول الناس بأن واقعاً مختلفاً يجب أن يسود, وأن وسائل الماضي لم تعد تكفي لبناء يمن يتسع لطموح جيل الثورة, وكانت البداية مع اختيار شخصية المحافظ الجديد الذي يريده أبناء تعز لمحافظتهم. تذهلك فكرة الاستفتاء الإلكتروني أساساً وتدهشك خطوات التحضير له عبر جميع أسماء المرشحين الأكثر تداولاً في الشارع الثوري - وتعز كلها ثورة - والمتداولة في الصفحة وبشفافية ووضوح في المعايير يتم إدراج سيرة ذاتية مع صورة للشخص المقترح لمنصب المحافظ من عدد معين من أعضاء الصفحة، وهي ذاتها الأسماء المنتشرة في أفواه الناس, والمعيار المتبع في هذا تحديد نتيجة هذا الاستفتاء الإلكتروني هو عدد البصمات الإلكترونية المسماة إعجاب “like”. ويرى الجميع عملية الاستفتاء مباشرة دون قدرة من أحد على تغيير مجريات الأمر, وفي النهاية يتمكن الجميع من تكوين فكرة متكاملة ورؤية شاملة؛ من حيث نسبة التأييد الشعبي لكل اسم من الأسماء المقترحة، وهي ذاتها المتداولة شعبياً في المدينة. وبرأي الجميع فقد كان التجاوب مع التصويت مذهلاً خلال ساعات عديدة، شارك آلاف الأشخاص فيه, وتناقلت المواقع الإخبارية باهتمام كبير هذه الفكرة الذكية والأسلوب الجديد في التناول الإعلامي لقضايا واقعية تحت عنوان “أول استفتاء إلكتروني في اليمن”, وأكد الجميع مصداقية النتائج وتناسبها مع الواقع بشكل مذهل, ولا يهمني الحديث عن أشخاص الاستفتاء أو نتائجه بقدر ما لفت انتباهي الوسيلة الإلكترونية لأول مرة في اليمن وتأثيرها عميق الدلالة من حيث الفكرة ذاتها وإمكانية تطويع التكنولوجيا المتاحة لخدمة أهداف وطنية خالصة، وتجاوب الناس وتفاعلهم في شكل استفتاء حقيقي وليس استطلاعاً لرأي فقط, وتمنيت لو أن هؤلاء الشباب القائمين على صفحة “مدينة تعز Taiz City” كانوا أعضاء اللجنة العليا للانتخابات. تعز مدينة صاخبة تنشط فيها التيارات الفكرية والثقافية والسياسية, وصفحة مدينة تعز في الفيسبوك صاخبة أيضاً، وهي أنموذج صفحات التواصل الاجتماعي في نظري, تهتم بالإنسان والمجتمع والسياسة، قبل أن تصبح صفحة ثورية صنعت التغيير. والمسؤولون عنها يتصرفون وكأن اليمن الجديد واضح أمام أعينهم وليس سوى أن يستمروا لنصبح ذات يوم على واقع مختلف وأجمل, يمن نلمس متغيراته كل يوم معطر بالتصبيحة التعزية التي لا يخلو منها صباح في صفحة مدينة تعز, وهي أهازيج ريفية من نواحي المدينة العريقة, وفيها أرشيف صور تاريخية نادرة لأسواق المدينة وشوارعها وآثارها لمدينة أرشيف حصري خاص لا نجده إلا في صفحاتها, وللتاريخ مكان هام لا يقل عن اهتمام الصفحة بالمستقبل, فمن لا يعرف الماضي لا يصنع المستقبل, بالإضافة إلى الاهتمامات السياسية والثقافية والفعاليات التي ينظمونها مثل: حملات توعية وتثقيف وتصحيح للموروث الخاطئ مثل: حملة يمن بلا قات. صفحة مدينة تعز تنفرد بكتابات سياسية وتحليلات يتابعها الصحفيون قبل غيرهم, وعبر نقاشات أعضائها تشعر وكأنك تجلس في مقهى بشارع جمال وحتى لو كنت مغترباً, وتجد دائماً أفكاراً جديدة في الطرح والرؤية المستقبلية, وينتابك شعور مخالف لليأس، وبأن الثورة لا تنتهي في الساحة ومسيراتها, بل هي ثورة تغيير انتشرت وأصبحت في وجدان كل واحد من أبناء مدينة تعز وأصبحت صفحتها عبر الفيسبوك تقوم بعمل الواشنطن بوست والنيويورك تايمز عبر الاستطلاعات الإلكترونية والتي تترجم إلى أرقام ونِسَبٍ مئوية بين كل مرشح وآخر - وهذه ليست سوى البداية فقط كما يبدو - لأن الثقة بهذه الصفحة نابع عن ثقتي بأشخاصها ولا شيء يبني الثقة ويستوجب احترامها مثل الإنجاز, والمسؤولون عنها (الأدمن admin) هم أهل الحل والعقد لدى شباب الثورة، وقد أدمن الجميع إبداعاتهم، والاستفتاء الإلكتروني بالتأكيد لن يكون آخر ابتكاراتهم. [email protected]