بعد غياب طويل عن العاصمة العراقية بغداد امتد نحو 22 عاماً وتحديداً منذ مايو من العام 1990م. انعقدت قمة العرب الثانية والثلاثون, وسط إجراءات أمنية مشددة جعلتها القمة الأعلى تكلفة والأقل تمثيلاً والأسرع انعقاداً وختاماً. واكتسبت هذه القمة أهميتها من كونها القمة الأولى التي تعقد بعد ثورات الربيع العربي التي أطاحت بعدة أنظمة عربية، بالإضافة إلى كونها من القمم النادرة التي تغيب عنها سوريا، وكونها تنعقد في بغداد التي يحتفظ العقل العربي لها بذكريات ذات طبيعة خاصة للقمتين السابقتين اللتين شهدتهما. إذ تمخضت الأولى عن قرار عزل مصر وتجميد عضويتها في الجامعة العربية بعد توقيع السادات اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، فيما انتهت القمة الثانية التي كانت مخصصة لحشد الدعم العربي للعراق إلى تعميق الخلاف بين العراقوالكويت وما نتج عنه من اجتياح العراقالكويت واحتلالها بعد شهرين من القمة، وإدخال المنطقة كلها في دوامة الصراعات الدولية التي لم تنتهِ حتى اليوم. وبالرغم من انعقاد هذه القمة في ظل ظروف استثنائية ومتغيرات وتحديات تواجهها دول وشعوب المنطقة, إلا أنها ظلت قمة تقليدية حالها حال معظم القمم العربية السابقة, نتائجها هزيلة وبياناتها وقراراتها منزوعة الدسم معدة مسبقاً, بعيدة عن نبض وحركة الشارع العربي التواق للتغيير والتطوير ولمّ الشمل وتعزيز وحدة الأمة وتقدمها وأمنها واستقرارها، حيث لم يتمخض عن هذه القمة قرارات تلبي احتياجات وتطلعات الشعوب العربية, وتعزز حلمها في تحقيق وتجسيد التكامل والتعاون العربي المشترك والنهوض بالأمة في مختلف المجالات. ولعل أبرز منجزات هذه القمة كما أشار وزير الخارجية العراقي في المؤتمر الصحفي هو أنها أعادت للعراق بريقها وهيبتها!! وأثبتت قدرتها على تنظيمها والخروج بها بسلام في ظل التحديات الأمنية التي تواجهها, بالإضافة إلى عودة الدفء إلى العلاقات العراقية العربية والكويتية بشكل خاص من خلال حضور أمير الكويت بنفسه هذه القمة! وبالتالي فقد حققت هذه القمة الفائدة المرجوة منها عراقياً باعتبارها الدولة المضيفة والرئيس الدوري للقمة, لكنها فشلت كالعادة في التعبير والتجسيد العملي لما يتطلع إليه المواطن العربي من تطوير وتحسين ملموس سواء في أوضاعه الحياتية والمعيشية أو في مجمل الأوضاع السياسية والاقتصادية على المستوى المحلي أو العربي بشكل عام. رغم ما تضمنه بيانها الختامي من عبارات وبنود ودعوات ومقترحات.. تتعلق بهذه الجوانب لكنها تظل كسابقاتها حبراً على ورق!! إن الفجوة بين قرارات القمة وتطلعات الأمة مازالت واسعة وعميقة على المستوى العربي رغم ما شهده ويشهده الشارع العربي اليوم من حراك شعبي واسع يستهدف إحداث التغيير المنشود الذي يقود إلى التطوير والنهوض في مختلف المجالات, وهو الهدف الذي عجزت معظم الأنظمة والقيادات العربية عن تجسيده على أرض الواقع عملياً رغم نجاحها في التعبير عنه لفظاً وكتابة في العديد من بياناتها الختامية سواء في اجتماعاتها الثنائية أو الجماعية على مستوى القمم العربية المتتالية!! إن التغيير الوحيد الذي لاحظته في البيان الختامي لهذه القمة هو خلوه من عبارات الشجب والتنديد التي تعودنا عليها في بيانات القمم السابقة, ولعل السبب في ذلك يرجع إلى انشغال قيادات وأنظمة وحكومات دول المنطقة في الآونة الأخيرة بمشاكلها الداخلية والحركات الشعبية المطالبة بالتغيير في العديد من الدول العربية, وتجاهلها أو تناسيها للقضايا والتحديات المشتركة التي تواجهها الأمة العربية والإسلامية مجتمعة وأبرزها قضية العرب الأولى والأساسية القضية الفلسطينية, وقضية إعادة تحقيق الوحدة العربية وتعزيز التكامل والتعاون العربي المشترك. وقد استغربت من تهرب أمين عام الجامعة العربية ووزير الخارجية العراقي أثناء مؤتمرهما الصحفي عقب انتهاء جلسات القمة من سؤال أحد الصحفيين حول ما تمخضت عنه القمة من قرارات تتعلق بتعزيز التعاون والتكامل والتنسيق العربي المشترك وتسهيل حركة وانتقال المواطن العربي بين مختلف الدول العربية دون تأشيرات وتعقيدات!!! ولعل سبب تهربهما من الإجابة على هذا السؤال واضح وجلي وهو باختصار أن هذا الجانب كان بعيداً عن اهتمامات ومناقشات القادة العرب خلال هذه القمة!! فهل يأتي اليوم الذي نشهد فيه قمة عربية فعالة تعالج ولا تؤجل مشاكل وقضايا الأمة, وتنطلق في موضوعاتها ومناقشاتها وقراراتها من نبض وحركة الشارع العربي وآماله وتطلعاته في التغيير والتطوير وتحقيق مستقبل أفضل لهذه الأمة, تستعيد من خلاله عافيتها وهيبتها ومكانتها ووضعها المنشود بين مختلف الأمم والشعوب المتقدمة في عالم اليوم..؟! (*)أستاذ التسويق المساعد جامعة تعز [email protected]