في خضم موجة الفوضى وإفرازات حالة الانقسام والتشظي التي تعاني منها الأقطار العربية برزت الخيارات التوافقية التي توافق عليها اليمنيون للخروج من الأزمات العاصفة التي عايشوها انطلاقاً من المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية, كاستثناء محمود حظي بإشادة غالبية الأشقاء والأصدقاء الذين عبّروا عن ترحيبهم بإعلاء أحفاد سبأ وحمير صوت العقل والحكمة والمضي في درب الوفاق والتوافق من أجل تجاوز الوطن كل ما يواجهه من أزمات ومدلهمات, ولمس السواد الأعظم من أبناء الشعب بعض الثمار الإيجابية لهذا الوفاق وبدأوا يتمنون بأن يحصدوا المزيد من ثمار هذه المرحلة لعلها تنسيهم قائمة المنغصات والمكدرات التي عايشوها وعانوا منها على مدى أكثر من عام كامل نتيجة الأزمة السياسية التي شهدها الوطن. ولكننا ورغم كل ذلك بدأنا نلحظ في الآونة الأخيرة تحركات غير سوية ومواقف غير إيجابية من قبل القوى والأطراف السياسية, وكلها للأسف مواقف من شأنها تأزيم الأوضاع من جديد, ووصلت هذه المواقف إلى ذروتها عقب الكلمة التي ألقاها رئيس حكومة الوفاق الوطني محمد سالم باسندوة في ال18 من مارس المنصرم والتي كادت تأتي على عملية الوفاق الوطني بعد أن جعل من نفسه خصماً لطرف سياسي تربطه معه بعملية وفاق حكومية لإنقاذ البلاد من الضياع والدمار, وقوبلت كلمته بحالة من الاستياء لكونها لا تتماشى مع الكلمة التي ألقاها أمام البرلمان أثناء إقرار قانون الحصانة والتي ذرف خلالها الدموع من شدة حرصه على الوطن وتجاوزه الظروف الراهنة, فكانت كلمته بداية للتأزيم بدليل ردود الأفعال التي توالت عليها والتي للأسف لم تتوقف، وخصوصاً أن كل ردة فعل منها قُوبلت بردة فعل مضادة وهو ما زاد الطين بلة وأسهم في توتير الأجواء وارتفاع درجة سخونتها وخصوصاً مع استمرار القوى المحسوبة على أحزاب اللقاء المشترك المتواجدة في الساحات في دعوات التصعيد والتأزيم التي لا تخلو من الاستفزاز, على الرغم من الخطوات التي قام بها الرئيس هادي والتي تصبّ في جانب إصلاح الأوضاع وخلق حالة من الاستقرار في البلاد والتي وصفها الكثيرون بأنها غير منصفة وتصب في مصلحة المشترك والقوى المتحالفة معه, رغم ذلك إلا أن الاحتجاجات لاتزال مستمرة والتصعيد مستمر ولايوجد أي استشعار لحساسية الأوضاع التي تمر بها البلاد والمعاناة التي يكابدها أبناء الشعب, وما يشعرني بالألم والحسرة هو موقف أحزاب المشترك والإصلاح على وجه التحديد من استمرار الاعتصامات في الساحات من قبل أنصارهم الذين يرفعون شعارات تناقض مضامين المبادرة الخليجية وتمثل حجر عثرة أمام الرئيس هادي وأمام حكومة الوفاق الوطني في الوقت الذي كان من المؤمل سحب هذه العناصر والتفرغ لاستكمال ما تبقى من بنود المبادرة من أجل التهيئة لبناء الدولة المدنية الحديثة والمتطورة, لأنه لا يعقل أن يكون المشترك شريكاً في الحكومة وأنصاره يتظاهرون في الساحات لإفشال وإجهاض المبادرة. المواطن اليمني اليوم ينتابه الخوف والقلق وهو يشاهد ويسمع ويقرأ عن ممارسات تصدر عن هذا الطرف أو ذاك تقود إلى التصعيد والانقلاب على المبادرة الخليجية وما أكثر التهديدات التي تُعلن من هذه الأطراف بهذا الخصوص، وكل ذلك ينعكس سلباً على عمل القيادة السياسية والحكومة ويفاقم من معاناة المواطنين ويزيد من أوجاعهم, هناك اجتهادات بشأن المبادرة الخليجية وهناك مطالب بالتقديم والتأخير في تنفيذ بنودها وهذه اجتهادات خاطئة مردودة على أصحابها ويجب أن يعي أصحابها خطورتها وعدم المغامرة في طرحها وفرضها عبر ساحات الاعتصام أو عبر الأطراف الخارجية، وكان المؤمل من وسائل الإعلام عقب الانتخابات الرئاسية أن تقوم بدور تنويري وطني يخدم مرحلة الوفاق ويعزز من عوامل الاستقرار في البلاد من خلال الرد على أصحاب الاجتهادات الخاطئة والمطالب الاستفزازية التي لا تخدم سوى أعداء اليمن, ولكننا للأسف صُعقنا من الأداء الإعلامي للعديد من وسائل الإعلام التي تحولت إلى مطابخ لتصدير الصراعات واتساع رقعة الانقسامات والخلافات والتباينات بهدف تعطيل المبادرة والعودة إلى المربع الأول، علاوة على استحباب بعض هذه الوسائل الإعلامية التحريض على إذكاء الفتنة الطائفية والمذهبية واستباحة دماء اليمنيين في إطار تصفية الحسابات السياسية والفكرية والعقائدية والحزبية، وذلك من خلال الدعوة لإشعال الحروب من أجل تصفية الخصوم غير مدركين لخطورة هذه الدعوات الدموية وانعكاسات ذلك على الأوضاع العامة في البلاد، وهو الأمر الذي جعل اليمن في نظر العالم وكأنها تقف على فوهة بركان قابل للانفجار في أية لحظة. لقد آن الأوان أن نراجع مواقفنا جميعاً ونُحكّم ضمائرنا تجاه وطننا وشعبنا، فالأوضاع لم تعد تطاق, والناس وصلوا إلى أقصى درجات الفقر، والضرر طال حتى أصحاب المستويات الاقتصادية والمعيشية الميسورة, وصار من الضروري جداً التوقف الفوري لكافة القوى السياسية عن اللعب بالنار والتلذذ بمعاناة الشعب وإفشال الرئيس هادي وحكومة الوفاق, لا نريد العودة إلى مربع الصفر ولا نريد أن يجعل البعض الوطن بالنسبة لهم عبارة عن رقعة شطرنج يتلاعبون بقطعها بحسب رغباتهم وأهوائهم وبما يخدم مخططاتهم وأهدافهم الرخيصة. نريد أن نكون أكثر ولاء لوطننا من ولاءاتنا لأحزابنا ومشائخنا ورفاقنا, باعتبار الوطن أغلى من الجميع, ونريد أن نمنح الرئيس عبدربه منصور هادي الفرصة لقيادة البلاد نحو بناء الدولة اليمنية المدنية الحديثة, نريد أن نمنح ذات الفرصة لحكومة الوفاق لإنجاز البرنامج الحكومي الذي حظيت بموجبه على ثقة أبناء الشعب عبر ممثليهم في البرلمان, وفي المقابل نطالب الرئيس هادي بأن يصم أذنيه عن الاستماع لأصوات الشقاق والنفاق وأصحاب المصالح الضيقة, لا نريده أن يكون تابعاً لأحد أو مجرد ديكور لهذا الطرف أو ذاك, نريد قراراته أن تخضع للمصلحة الوطنية أولاً وأخيراً بعيداً عن أية معايير أخرى, كما نُطالب رئيس الحكومة بالتزام الحياد والابتعاد عن الانحياز في مواقفه السياسية وتصريحاته الإعلامية، ولا ينسى بأنه يرأس حكومة الوفاق التي تمثل كل الوطن, ولا يمثل شخصاً أو حزباً أو جهة, وعلى الوزراء العمل على تسريع وتيرة العمل والعطاء والإنتاج وإعلاء سلطة النظام والقانون وعدم الالتفات إلى أية توجيهات تصل من خارج السلطات الرسمية أياً كان مصدرها, والابتعاد عن عمليات الإقصاء الوظيفي للقيادات الوطنية المشهود لها بالكفاءة والنزاهة مع مراعاة اللامركزية الإدارية لنظام السلطة المحلية لتفادي الاحتكاك مع السلطات المحلية في المحافظات فيما يتعلق بالعزل والتعيين على وجه الخصوص, كما نطالب رؤساء المؤسسات والوسائل الإعلامية وكافة العاملين فيها أن يتقوا الله في الشعب والوطن وأن يكونوا دعاة خير ومحبة وتآلف ووفاق. حفظ الله اليمن واليمنيين وأدام علينا نعمة الوحدة والأمن والاستقرار ولا عاش أعداء اليمن. [email protected]