رغم بعض الممارسات التي يشهدها الوسط المحلي في يمننا الحبيب والتي تعكس وجود رغبة لدى البعض بتفجير الأوضاع الأمنية من جديد وتقويض الجهود المبذولة من أجل احتواء الأزمة والمضي في استكمال مضامين المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي تقود في نهاية المطاف إلى تسوية سياسية عادلة ومنصفة للجميع وفي مقدمة ذلك الوطن والشعب، رغم كل ذلك إلا أنني سأظل متفائلاً إلى أبعد الحدود بأن اليمن لن تعود بإذن الله إلى مربع العنف ودائرة الصراع وأن الأيام القادمة ستكون هي عبارة عن محطة ترانزيت للانتقال إلى مرحلة جديدة، مرحلة بناء الدولة اليمنية المدنية الحديثة، الدولة التي تتحقق في ظلها كل أحلام وآمال وتطلعات وطموحات السواد الأعظم من أبناء الشعب اليمني المخلص والصابر والذين ضربوا أروع الأمثال في الصبر والاحتمال طيلة الأشهر الماضية من أجل اليمن ومن أجل الحفاظ على كافة ممتلكات ومقدرات ومكاسب ومنجزات الوطن. لقد عاش الجميع مرحلة عصيبة، ولا أعتقد أنه يوجد أي فرد من أفراد المجتمع اليمني لم يكتوِ بنيران هذه الأزمة، الكل تضرروا، الكل عانوا، الكل أجمعوا على أن هذه الأزمة لم يسبق أن مرت بها اليمن منذ إعادة تحقيق الوحدة المباركة، واليوم الكل على أمل أن تبحر السفينة اليمانية من جديد متجاوزة كل الأعاصير والزوابع التي تواجه خط سيرها، الكل يحلمون بعودة الأمن والاستقرار والطمأنينة إلى كل أرجاء الوطن، الكل يحلمون بمعالجة آثار ومخلفات هذه الأزمة وطي صفحاتها وفتح صفحة جديدة قائمة على الوفاق والتوافق، وعلى التعايش السلمي بين مختلف الأطياف السياسية والمذاهب الدينية من أبناء يمن الإيمان والحكمة.. فلماذا يقف البعض حجر عثرة أمام الوصول إلى هذه الغايات والطموحات المشروعة وخصوصاً بعد كل صنوف المعاناة التي كابدها الجميع خلال ما يقرب العام..؟ المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية أوقفت نزيف الدماء ووضعت نهاية للمواجهات المسلحة وفتحت الطريق أمام فرقاء العمل السياسي للدخول في شراكة سياسية وطنية لإدارة البلاد في هذه المرحلة الصعبة، وبموجبها تم تشكيل حكومة الوفاق وتم تشكيل لجنة الشؤون العسكرية وبدأت الحياة تعود تدريجياً إلى الأحياء التي كانت ساحات للمواجهات الدامية، وما تبقى من مضامينها كفيل بتحقيق نسبة كبيرة من مطالب الشباب وتلبي سقف التطلعات المستقبلية التي ينشدها أبناء الشعب اليمني، ولا بأس أن تتم مناقشة القضايا التي ترى بعض الأطراف أن المبادرة الخليجية أغفلتها أو لم تمنحها حقها من الاهتمام من خلال مجريات الحوار الوطني المرتقب، وهو ما يؤكد بأنه لا خاسر أو متضرر من إنفاذ المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية على أرض الواقع على الإطلاق سوى أعداء اليمن، فالمبادرة لم تكن مؤامرة ضد هذا الطرف أو الأطراف لمصلحة الطرف أو الأطراف الأخرى، المبادرة في ظاهرها الذي يعنينا أخرجت الشعب والوطن من كارثة كانت تنتظر الجميع، ولذلك لا توجد أية مبررات لرفضها أو القدح فيها في ظل المعطيات الراهنة، أقول ذلك وقد يختلف معي الكثير من الشباب والقوى السياسية، ولكنني هنا أرى أنه ينبغي أن نحتكم جميعاً إلى القاعدة الفقهية التي تقول درء الضرر أولى من جلب المنفعة وخصوصاً أننا ندرك حجم الضرر المتوقع جراء فشل المبادرة وفي المقابل ندرك حجم المنافع التي سيحصل عليها الوطن من وراء نجاح المبادرة والتنفيذ الكامل لها. وفي هذا السياق فإن من الضرورة الوطنية أن تتفهم القوى السياسية والشبابية والمكونات الثورية طبيعة الأوضاع التي تمر بها البلاد وتسلم بأن التغيير الذي حصل فيما يتعلق بالانتقال السلمي للسلطة هو المحطة الأولى للتغيير الشامل في حياة كل اليمنيين، التغيير الذي يكفل للمواطن حياة كريمة وأوضاعاً معيشية مستقرة ويلمس انعكاساته الإيجابية على كل ما يحيط به ويتعامل معه ويتأثر به، وتسعى جاهدة للمضي قدماً في تنفيذ المبادرة من باب الحرص على المصلحة الوطنية وتتعامل مع مختلف القضايا والملفات العالقة من هذا الباب بعيداً عن سياسة تصفية الحسابات وتسجيل النقاط والمكاسب الحزبية والشخصية وتنفيذ الأجندة والأهداف المستوردة القادمة من خارج الحدود اليمنية. وبصريح العبارة نريد أن يتحلى الجميع بثقافة المحبة والتسامح وينهجون منهج العفو الذي سار عليه الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم المنهج الرائد الذي أدخل الملايين من البشر في دين الله أفواجاً، إن الحاجة اليوم لإعلاء قيم العفو والتسامح والتصالح ضرورية جداً كما هي حاجة المجتمع للأمن والاستقرار وتوفر مقومات الحياة ومتطلباتها الأساسية، لا نريد تقليب صفحات الماضي القريب أو البعيد مهما كانت مؤلمة لنا وفيها من الوقائع والأحداث ما أحزننا وأدمى قلوبنا وسلب منا لحظات السعادة والفرح، فالوطن أغلى من الجميع ومن أجله يهون كل شيء، ومن أجله يرخص كل شيء، ومن أجله لا مانع من إغلاق كافة ملفات الماضي وفتح صفحة جديدة العنوان الأبرز لعناوينها الرئيسية معاً من أجل بناء الدولة المدنية اليمنية الحديثة وتحقيق المستقبل الأفضل، وكم هو جميل أن يستغل الجميع هذه المبادرة في طي حالة العداء والخصام والكراهية المتبادلة لتسود قيم المحبة والألفة والتآلف، وكم هو جميل أن يترفع الجميع عن الصغائر ويقدموا التنازلات من أجل اليمن وإنهاء الأزمة ويكونوا على قلب رجل واحد في عملية الشراكة الوطنية من أجل بناء اليمن الجديد. التصعيد في هذه المرحلة ممقوت من غالبية أبناء الشعب بصوره وأشكاله المختلفة وأياً كان مصدره، والإصرار على رفض المبادرة وحلبطة التسوية السياسية سلوك غير محمود وغير مقبول انطلاقاً من النتائج المترتبة على ذلك في ظل الأوضاع الكارثية التي عليها الوطن والشعب في الوقت الراهن، فلا نريد استمرار المعاناة والآلام والأحزان، كما لا نريد استمرار نشر ثقافة الحقد والكراهية والعدائية في أوساطنا والتي وصلت إفرازاتها «العفنة» إلى داخل الأسرة والبيت الواحد، لا نريد أن تظل تعاملاتنا مع بعضنا البعض قائمة على هذه القيم والسلوكيات السلبية لأنها لن تخدم أحداً على الإطلاق إلا أعداء الوطن. لا نريد أن تكون مواقفنا وتوجهاتنا مرتهنة للمصلحة الذاتية والحزبية، فيكفينا ما تجرعناه من منغصات نتيجة تغليب المصالح الذاتية والحزبية على المصلحة الوطنية.. نريدها مرحلة جديدة خالية من «الدجل والزيف والخداع والمداهنة والوعود الكاذبة والارتزاق والفساد والإفساد والحقد والكراهية والعدائية»، نريدها مرحلة استثنائية يقف خلالها الجميع بروح المسئولية الوطنية من أجل إخراج البلاد والعباد من بوتقة الأزمات التي تحيط بالجميع من كل اتجاه وتجاوز كل تداعياتها بعزيمة أمضى وإرادة لا تلين. ومن هنا نناشد الإخوة الشباب في مختلف ساحات الاعتصام ومعهم القوى الرافضة للمبادرة الخليجية ولحكومة الوفاق الوطني ولكافة الخطوات المبذولة من أجل تحقيق المصالحة والتسوية الوطنية «بحق الأخوة والصحبة وبأرواح الشهداء الأبرار» بأن يقدموا التنازلات من أجل اليمن ويسارعوا إلى وقف كافة أشكال ومظاهر التصعيد والاحتجاج المناهضة للمبادرة الخليجية والرافضة للتسوية الوطنية.. نناشدهم بالله أن ينظروا إلى أوضاع الناس ولا ينظروا إلى سواهم وأن يتوجوا نضالهم بالانتصار للوطن والشعب ليكونوا بحق علامة فارقة ونقطة مضيئة في سفر النضال السلمي من خلال المضي في مسار التسوية السياسية والخروج الآمن لليمن واليمنيين من الأزمات التي تحاصر الجميع دون استثناء، وهم بذلك سيكونون السبب في حقن دماء اليمنيين وإنهاء معاناتهم، وسيسهمون في رسم ملامح اليمن الجديد والمستقبل الأفضل الذي قدم الشهداء الأبرار أنفسهم من أجل الوصول إليه. ادخلوا التاريخ من أوسع أبوابه وكونوا للآخرين مدرسة نموذجية في تدريس قيم العفو والمحبة والتسامح والوفاء للوطن، ولا تأخذكم العزة بالإثم، كونوا حمائم سلام وألفة ومحبة بين اليمنيين، أعيدوا رسم الصورة الرائدة والزاهية لقيم ومفاهيم الولاء الوطني، علّموا الآخرين أن حب الوطن من الإيمان قولاً وعملاً، كونوا لسان حال الشعب وقلبه النابض بالحياة، راقبوا أداء الحكومة واعملوا على تطهير البلاد من الفساد، كونوا أنتم الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وهيئة مكافحة الفساد، كونوا أنتم العيون الساهرة على مصالح وثروات ومكتسبات هذا الشعب الوفي الذي يستحق منكم التضحية والتنازل من أجله، كونوا أنتم الرقيب على تنفيذ المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، واحملوا آمال وأحلام وتطلعات الشعب إلى مؤتمر الحوار الوطني، كونوا رواداً للتغيير وصناعاً للأمجاد وبناةً لليمن الجديد ورموزاً للنضال السلمي وقادة للمستقبل الأفضل المنشود ليمن المجد والتاريخ والحضارة، يمن الإيمان والحكمة.. حفظ الله اليمن واليمنيين وأدام علينا نعمة الوحدة والأمن والاستقرار ولا عاش أعداء اليمن. Fatahrrr.2977yahoo.com