من المعتقلات السرية و المطاردات القاطعة للنفس و الخلفة و من كهوف التوحش و القمع إلى معترك الصراع السياسي ومواقع صياغة القرار هل هذا هو ملخص ما فات من تاريخهم؟ علينا عند طرح موضوع أو دراسة حول الحركات و الجماعات والأحزاب الاسلامية أن نتخلص سلفاً من مفهوم الاستعداء المترسخ في جذور العقلية العربية من الأجيال الأخيرة و من تراكمات التسويق الإعلامي للأنظمة الاستبدادية التي حكمت طوال الفترة السابقة و التي أصبح بفضلها مجرد ذكر أسم جماعة اسلامية يثير الرعب في نفس المتلقي , أن نتخلص من النظرة التهكمية و التهجمية إذا أردنا فعلا أن نستشرف المستقبل القريب جدأً و واقع الحال الذي يظهرهم شركاء شاء من شاء و أبى من أبى من حيث تواجدهم على الساحة السياسية كشركاء فاعلين استطاعوا الوصول الى سدة الحكم و مراكز القرار و التسليم بوجودهم إن لم نقل بحتميته التوازنية و الترجيحية خصوصاً في مجتمعاتنا العربية , و ليعترف الجميع بأن قواعدهم الشعبية لا يستهان بها من حيث التبعية و الإلتزام الصارم بما يوجه إليهم من قياداتهم , و تنظيمهم في الأعلى و الوسط يرقى لأن يكون الأكثر تفوقاً بين الأحزاب و التنظيمات المتواجده على الساحة و لننسى فرضية أنهم لا يسيطرون إلا بالطرق الملتوية فهي السياسة تلك التي تبرر كل شيء. الجماعات الاسلامية التي كانت ترفض مفهوم الديموقراطية و أصبحت أول المستفيدين منها في الوصول الى غايتهم من الحكم , ينبغي عليها التحول إلى تبني مشاريع نهضوية حضارية بعيده عن رفض و اقصاء الآخر وتجنب الخوض في سفاسف الأمور و سطحيات التداعي إلى خلق نقاشات جانبية تغرق الناس في ما لا يجدي لصالح الوطن و البناء و عدم اشغال العامة فيما لا يجدي و لا يزيد الحياه إلا تعقيدا و بعيداً عما يجر الناس الى الصراعات المذهبية و الفكرية الضيقة. لقد أثبتت ثورات الربيع العربي أن نظرة الجماعات الاسلامية الى المجتمعات نظرة خاطئة من حيث افتراضها أنها مجتمعات جاهلية يتوجب التغيير فيها و نظرتها إليها بعين الساخط على المجتمع الخاطيء , فما أسقط الانظمة الاستبدادية إلا الشعوب و ما أوصلهم الى سدة الحكم بعد أن أُتحيت لها فرصة الاختيار الحر إلا الجماهير المغضوب عليها، فمفهوم ضرورة التغير و إعادة المجتمع الى حضيرة الاسلام مفهوم مردود عليه فلا مشكلة لدى الناس من الدين بدليل أنهم اختاروهم عند أول فرصة بغض النظر عن الدوافع و المسببات التي دعت الناس إلى الوقوف معهم و دفعهم إلى أعلى مراكز القرار و التشريع , جاهلية الشعوب بحسب مفهوم الحركات سقطت بدليل ان الشعوب هي من قامت بالثورات و هي التي اوصلتهم لمراكز القرار و عليه فإن مشروع التغيير الموضوع في الحركة من المنشأ كان خطأ , و عليها الآن أن تجد مخرجاً حتى تحافظ على بقائها بتبني مشروع نهضوي حقيقي لم نجد له معالم واضحة حتى الآن . و بالتالي أصبح على الاسلاميين كأحزاب أن يعوا تماماً أن الإتكاء على العموميات لن يجدي نفعا في بناء الدولة المدنية حيث الإلتفات الى التفاصيل هو اللبنة الأساسية في اهتمامات الفرد , و لا مشكلة أبداً في مصدر التشريع و في أولوية أن يكون لنا مصدرنا الرئيسي الذي ننتمي إليه و في أن يكون هو المنهج و المشروع و القانون الذي يلبي احتياجات المجتمع ولكن ليكن برؤية واضحة و مفاهيم أوسع تستطيع احتواء الكل و انتماء الكل ولتشمل جوانب الحياة و تضم الأمور الصغيرة و الكبيرة على السواء ,الحريات و قضايا المرأة و الطفل و ادارة المرافق و انشاء و حماية منظمات المجتمع المدني و فوق كل هذا قانون واحد يطبق على الكل دون أي تمييز أو تحيز لدين او عرق أو جنس أو لغة أو لون تحت أي عذر. الإتجاه صوب المشاريع الإنتاجية لتحقيق النهضة و الاكتفاء , والاهتمام بمنهجية التعليم بحيث تتناسب مع روح العصر بعيداً عن هوامش السير و الحكايات, منهج علمي تربوي يهرب من ترسيخ مفاهيم القداسة و الخرافة و يدعو الى العلم و التجريب والإبداع , لنتجاوز مرحلة التغني بالأمجاد إلى مرحلة بناء مجد جديد , مناهج تدعو إلى ردم الهوة القائمة بين التنويعات المختلفة بين الجماعات الدينية ذاتها و بين التيارات الأخرى و الأحزاب إنها مهمة صعبة جدا و لكنها الخطوة الأساسية لنبدأ بداية صحيحة و لا شيء يستطيع فعل هذا سوى القانون و سلطته المفترضة على الكل و الرضوخ المتساوي و التام له من قبل الجميع.. كل هذا يجب أن يدعم لنصل الى نتيجة مفاادها أن استمرارية وجود هذه الحركات على الساحة السياسية مرهون بقدرتهم على تقبل الآخر و التجاوز عن عقلية الحقيقة المطلقة و النظر بعين التسامح مع منهجيات الآخر . لقد استفادت الأحزاب والجماعات الاسلامية من ديموقراطية نسبية تلت الثورات العربية وأصبح لزاماً عليهم الآن الإيفاء بمتطلبات الناس والبدء بمشروع نهضوي يعنى ببناء المجتمع والنهوض به و اطلاق الحريات وتبني المشاريع الإنتاجية والبدء في بناء نظام المؤسسات ودولة القانون والمساواة العادلة و المواطنة المتساوية وتكافؤ الفرص. إن الحركة الإسلامية التي أضحت في مراكز الصدارة بفضل ثورات الربيع العربي , وجدت نفسها فجأة أمام تحديات ربما لم تفكر بها أو بحلولها بشكل جذري حين كان تفكيرها منحصرا طوال الفترة السابقة في فرض حتمية التواجد كقواعد شعبية يسوقها إليها الالتزام الديني و التعاطف المذهبي و ليس العين الفاحصة و الفكر الناقد و المتأهب للوصول إلى الغاية من الثورات العربية و هي اسقاط الأنظمة الشمولية الاستبدادية و إبدالها بدولة مدنية أصبح يتحتم على التيارات الأصولية و الاصلاحية أن تواجه تحديات المجتمع و أن تضع الحلول المناسبة دون إدخال البلاد في دائرة الصراعات و العنف و من أهم القضايا و التحديات سنجد الأولوية ل الأمن الإقتصادي و الإكتفاء والتنمية المستدامةو الأمن الفكري و الحريات والأمن العسكري و تحقيق السيادة في العلاقات الخارجية و بناء جسر قوي مبني على الاحترام المتبادل و الاعتراف بالسيادة المطلقة والإنفتاح على الحضارات والتلاقي مع الأديان.