بالأمس كان الصحافيون أول من رتب للمرتزق بوب دينار مغامراته ودفعه لعملياته العسكرية.. واليوم هم أول من بدأ بتشليح ماضيه وكشف أسراره ومغامراته..! إنها المفارقة العجيبة عند دينار..! دينار قاتل تلبية لنداء الواجب، هكذا يبرر أفعاله في أكثر من بلد.. ويضع نفسه في الميزان أمام الثائر الأممي (ارنستو تشي جيفارا). ويقول: “إن جيفارا اختار موقعه.. وأنا اخترت موقعي”، ويتساءل: لماذا لا يوجه الاتهام لتشي جيفارا بالقتل والعنف مثلما يوجه له..؟ وبهكذا يخيل إلى دينار أنه قاتل من أجل قضية، مثله مثل جيفارا!!. وقد شطح به الحديث كثيراً بقوله: «وجدنا أنفسنا في مواجهة بعضنا - أنا وجيفارا - في زائير ولم يصمد كثيراً؛ لأننا كنا في مواجهته..! ولكن هل كان جيفارا يذهب إلى دول أخرى للقتال من أجل المال.. أم من أجل قضية يؤمن بها؟! وهو الذي ترك السلطة والمال في كوبا وذهب ليستشهد من أجل قضيته!! أما بوب دينار.. فقد تنقل في أكثر من دولة إمّا بتوجيهات أجهزة سرية أو تلبية لطلب من أحد أصدقائه أو من أجل المال؟!.. إنه مقاول انقلابات وعمليات عسكرية واغتيالات من نوع آخر..! كثيرون من الرؤساء في العالم ذهبوا ضحية دينار، وكثيرون نجوا من أعماله بأعجوبة، حتى العقيد معمر القذافي، كاد يقع في مصيدة المرتزق دينار.. والغريب أنه فعل ذلك بدعم وتشجيع زعيم عربي آخر - هو الملك الحسن الثاني - واستجابة لرغبته في تصفية القذافي..! وأخيراً هناك من يتساءل: لماذا هذا المدى من الحفاوة والضجيج والاهتمام الإعلامي لقصة حياة المرتزق بوب دينار؟. ونُجيب بما قاله سيسيبرون: «لنغمر جثته بالورود من أجل إخفاء رائحتها.. لا من أجل تقديم آيات الاحترام لها، تغمر الجثث بالأزهار»..! بوب دينار قال لي إنه لم يعد يحب إثارة قضايا من الماضي، يعتبرها في ذمة التاريخ.. وقال: إن لديه أولاداً يريد لهم الاستقرار. ولكن بدا لي - حينذاك - كما لو أنه لايزال يمتلك الكثير من الطموح والاستعداد لخوض مغامرات وعمليات جديدة، فقط ينتظر الحافز المادي والمعنوي!!. لكن القدر لم يمهله.. فقد توفي بوب دينار مؤخراً في شقته بالعاصمة الفرنسية باريس.. وهكذا لله في خلقه شؤون.. أمّا خلقه فليس لهم سوى الشجون..!!