في الطريق إليها.. كنا نحمل صورة مختلفة عنها، انطبعت في خيالنا، وألهبت أسئلة حائرة في نفوسنا.. تتزاحم بعلامات استفهام عديدة..! ربما لأننا قرأنا “صعدة” بصورة غير مكتملة..! وبمجرد توغلنا فيها، بضعة كيلومترات، بدت ملامح الصورة تتغير.. فالأرض خضراء خصبة، والمزارع تحيط بالمناطق والقرى والبيوت كأنها نقش جميل على سجادة خضراء ممتدة.. وناس بسطاء يحملون الحب والود للجميع. وفي المساحات الشاسعة أخذنا نستمتع بالمشاهد الخلاّبة ونتنفس الهواء النقي المنبعث من تنهيدات الأشجار.. ولم نفق إلاّ على تساؤل اقتحم انبهارنا فجأة..! إنه اسم “صعدة”..! ونتساءل: من أين جاء هذا الاسم..!! يقال: إن امرأة من الجوف اسمها “صعدة” رأت في منامها بقعة من الأرض تقع في “رهوة” جبل “تلمس” الحصن المنيع الذي اتخذه ملوك حمير وأمراؤها حصناً حصيناً، وسكن فيه نواب ملوك حمير, ومنهم نوال ابن عتيك نائب سيف بن ذي يزن قبل الإسلام بحوالي خمسين عاماً.. وتمتد حتى جبل “ظفار” الأثري المشهور, الذي سكنه بنو سعد بن غالب، وفيه صورة لمعارك توضح أن الرمح اليماني كان له صولات عند فرسان العرب..هذه البقعة خضراء وخصبة بمراعيها ومياهها العذبة..! وعندما حدّثت المرأة والدها بهذا ذهب إلى تلك البقعة فوجدها كما وصفتها له ابنته.. فحمل متاعه وحاشيته وأغنامه وإبله ورحل حتى فيها..! ومنذ ذلك الحين سميت باسم المرأة “صعدة”.. كما توجد في رهوة الجبل قبور ونقوش حميرية وأحجار وخطوط سبئية قديمة.. الأحجار الحميرية تقدر ب(800) قطعة بطول متر ونصف المتر, منحوتة بصورة القمر والشمس والنجوم. صعدة هذه.. ترسف اليوم بين مخالب أزمة مستفحلة وتعاني من انعدام ثقة أبنائها فينا، بعد ستة حروب أكلت الأخضر واليابس، وخلفت آلاف القتلى والجرحى والمعاقين وشرّدت مئات الأسر، ويتمت الأطفال وأرملت النساء.. صعدة الحزينة المجروحة.. كيف نضمِّد جراحها اليوم.. ونداوي حزنها العميق..؟!.