تمضي بنا السنوات والصبوات واجمةً ..على مضضٍ .. كأن العمر كذبة واهمٍ .. رسمَ الصباح على جريدته .. يؤجلّ ليله مُذ لاح في صندوقه شطّ النوارس ..داعب الذكرى .. وغنّى للسؤالِ حقيقة المعنى ..وبعض سنابل الميعادِ في شفة الصحارى .. والمواويل الحزينة. ما زلتُ أذكر موعدي من ساعة الهذيان في مقهى المدينة .. كان الغناء يمرّ من شفتيّ قصائد حبنا الأنقى .. خرائط عمرنا المنسيّ في خلجاتنا .. وشرائطاً عُلّقتُ فيها في انسيابة شعرها ..الله كم تحلو القصيدة في دمي ..أنطفي حلماً مسائياً بخفقة قلبها .. برموشها .. بالوجنتين كدفترٍ سحريّ يمتصّ أكوان الحروف . ما زلتُ أذكر كيف جاءت طفلتي الأولى .. وكان العمر محض خديعةٍ صغرى.. لعمرٍ ظلّ يكبرنا دهوراً من حقيقة.. وأبي يقهقه من فؤاد فؤاده فَرِحاً بأزمنةٍ .. ينافس في ارتباكتها مواعيد الرجال. كان السراج يخاتل البشرى على شفة الصبية.. في بكاء حقيقةٍ أولى أرادوها فكانت وعدنا مدداً ..ظلّ يلسعنا ك «أفراحٍ » تغنّي للسماء . واليوم تصطاد المتاهة في شفاه الحظ مئذنة البقاء .. ولا منون يبلسم التعب المعربد في حنايا الطين .. أو وعداً يؤبجدُ من نكون! هذي البلاد حقيبة حَمَلت خطايانا .. خطاوينا .. إلى وسط الطريق .. فتقطعت بنا سُبل الأمانِ .. وحَمّلت أكبادنا صلفَ الرزايا .. بعثرتنا .. عصَفت بنا الأنواء .. ألقت رحلنا في كل وادٍ .. أودت بنا لجج النوايا .. وأنا وقلبي والردي مُتعَ التشظّي .. لا زخارفنا القديمة طهّرت تأريخنا .. أو لوعة التغيير أغدقتِ البروق .. ولا هواجس للمطر. شذرٌ مذر .. كل التعاويذ الحصيفة .. كل دعوة والدين تسلّقا في ليلة القدر استدارة حظنا .. فانهارت الأكوان في جرحٍ سخيفٍ من وعود. هي لا تعود ولا أنا .. هذي بلاد لا تُؤثث طفلها .. لا تؤبجد في رؤاهُ سوى الشتات .. الله يمضي بالعباد كما يشاءُ .. وموطني يجني الفُتات .. فلمن أغنّي ؟ يا مدائن ركضنا المكلوم بالشدو المؤجّل والتباريح الشجيّة! “هم فتيةٌ” كم ضاجعوا أحلامهم .. ورمالهم .. لكن طين الوقت رخوٌ .. والسماء بلا رماد .. وكأنني وكأنها “ يوم التناد” .. وكأنهم “ ما بال أٌقوامٍ” ونغرقُ حيرةً في عُري أسئلةٍ تؤرّخُ للكآبة والكتابة في مدى التوهان يخفقُ نائماً .. لا حلم يأتي .. بل هواجسكَ الوضيئة كالضحى .. ومداكَ حين اسودّ في دمكَ الضياء.