لعشرات السنين ظل نظام الحكم السابق وحاملو مجامره من الأعوان يردد علينا، دون كلل أو خجل وحياء بتحقيق الإنجازات الكبيرة تحت قيادة ربان السفينة الماهر الذي لا ندَ له علي عبدالله صالح، ولم تكن هذه الإنجازات سوى مدرسة تفتتح هنا أو طريق يُشق هناك..أو جامعة تفتقر لأبسط المعايير العلمية والأكاديمية، وتلك تطورات ديموجرافية وسكانية، من الطبيعي جداً أن تحصل ولو كان الحاكم من ثار عليه الشعب في 1962م. في كل خطبة أو كلمة يتوجه بها الزعيم الملهم في أي مناسبة كان عليه أن يذكرنا بهذه الإنجازات التي تفوق الخيال بحسب عناوين ومانشتات تصدرتها صحفه وأبواقه الإعلامية الأخرى، ربما حتى لا ننساها فنجحد نعمه علينا.. على أن هذه التي كان يسميها إنجازات، ويسميها العقلاء ضرورات حياتية، لم تتحقق طوال سني حكمه الطافحة ظلماً وفقراً، وتخلفاً وإرهاقاً..إلا بالنزر اليسير، اليسير جداً على سبيل المثال الكهرباء والماء وهما الخدمتان اللتان تتوقف عليهما حياة الناس العادية ومعايشهم، لم يستطع توفيرهما وأصبح الماء لا يصل لمحافظة كتعز مثلاً إلا بالشهرين تزيد أو تنقص قليلاً، حتى كادت المدن تموت عطشاً، وحتى عاد الناس أو كادوا إلى حياة القرية حيث الوسائل البدائية في التدفئة وطهي الطعام في حين كان رعاة الغنم من حولنا يحتفلون بمرور 40أو 60 عاماً على عدم انطفاء الكهرباء ولو لدقيقة واحدة، واحدة فقط..أما في الداخل فحدث ولا حرج حيث المعاناة والقهر، والاستبداد والجهل والمرض والجوع السمة الأبرز لدى عامة اليمنيين وتلك حقائق لا يجحدها أحد بمن فيهم عادل الشجاع أو عبده الجندي! المفارقة العجيبة أن ذلك النظام لم يعدم مؤيدين له ومصفقين لسياساته جهلاً بالواقع أحياناً، أو تزلفا لعطاياه ومناصبه أو نكاية بالخصوم أحايين أخرى. لم يكن من همً أمام رأس النظام السابق أو خطة لإنعاش البلد الذي ظلت تتلاطمه أمواج من الفقر والجوع عاتية، وأمراض وحروب تفتك بالناس فتكاً وقلاقل وفتن يتغذى عليها وتنهش في جسد الوطن المتشظي أصلاً بفعل سياساته الخاطئة أو العشوائية..كان همه الوحيد هو التفكير في الاستمرار والرقص فوق رؤوس الثعابين أطول فترة ممكنة وتحويل الشرفاء ممن وقف معه في كل منعطف إلى كروت وتوريث الحكم لابنه حتى لكأن الوطن ضيعة يورثها الأب لابنه، وإن تحت عباءة سوداء اسمها الانتخابات والديمقراطية؛ لذا أعطى عائلته أهم المناصب العسكرية والأمنية في البلد، وراح على غير توفيق أو هدى ينشئ وحدات عسكرية وأمنية كان واضحاً أنها بدل عن الوحدات الموجودة أصلاً، فما الحاجة لإنشاء الحرس الجمهوري مقابل الجيش الوطني!؟ وما الحاجة للأمن القومي وعندنا الأمن السياسي!؟..وقل مثل ذلك في بقية الأجهزة العسكرية والأمنية. ولعله استفاد من تجربة الأئمة قبله الذين لم يجعلوا المناصب العليا والمهمة “عسكرياً” بيد العائلة أعني أسرة حميدالدين.. على أن هذه السياسة لم تعفه من هذا السيل الجارف فيما اصطلح عليه بثورات الربيع العربي..وهذا درس يجب ألا يتغافل عنه الهادي. فرصاً كثيرة، أضاع الرجل أو لم يحالفه الحظ فيها ليخرج بماء وجهه أو شيء من كبرياء نفسه ونرجسيته وتعاليه, بل خرج منكس الرأس، مهيض الجناح؛ لأنه على كل حال وقع على تنحيه وقد كان عنده توقيع من هذا النوع أبعد عليه من عين الشمس كما كان يردد، مع فارق في القياس طبعاً...وأولى فرصه التي ضاعت كانت في الانتخابات الأخيرة عندما أعلن صادقاً أو غير صادق عدم نيته في الترشح، وثانيها عندما دعي للحوار الجاد وتشكيل حكومة إنقاذ فأبى واستنكف.