أحلم كغيري من أبناء اليمن أن أرى بلدي قريبة الشبه ب «سنغافورا» و«دول الخليج» في كل شيء..، وحلمي هذا لن يدفعنى للبكاء أو يجعلني أبكي وأبكي حتى أراه واقعاً ومحققاً..، بل سأتسلح بالإيمان والتفاؤل وبالعمل الجاد والمثمر الذي يحرضني وكل أبناء بلدي على بذل الجهود للوصول أو الاقتراب إلى مصاف سنغافورا ودول الخليج.. ليس مستحيلاً تحقيق هذا الحلم، وإن كنا مختلفين بيئة وثقافة وعادات وتقاليد عن سنغافورا ودول الخليج.. المهم تكون النوايا صادقة والإرادة موجودة والعزيمة أقوى وأشد.. وقبل هذا وذاك الإيمان بالله لا يتزعزع أو ينكسر.. الشعوب القوية هي من تصنع المستحيل.. من تعترف بأخطائها وتعمل على حلها وعدم تكرارها..، من تؤمن بالتغيير كقضية حتمية، وتتجه بالعمل الوطني الصادق والمسؤول نحو تعزيز القيم الحية التي ترسخ حب الآخر.. حب الوطن.. وحب الشراكة في نفوس أبنائها ذكوراً وإناثاً.. والهدف الأول والأخير هو الوطن. أما الشعوب الضعيفة المتخلفة فهي تلك التي تظل تجتر الماضي وراءها لا للاستفادة من دروسه وإنما لإعادة إنتاجه وترسيخه بكل الوسائل والسبل، وبطريقة أشد وألعن مما كان.. هي تلك التي تحول المختلف معها إلى عدو دائم.. هي تلك التي ترسخ لثقافة الحقد والكراهية بين أبناء البلد الواحد..، وهي تلك التي دائماً ما تنزع نحو الاصطدام بالآخر وتتجه نحو إقصائه واجتثاثه وتهميشه.. وتلك هي الشعوب التي تظل تدور في حلقة العداء الدائم والمستمر، وتجد في النهاية أنها باقية في محلها دون حراك إن لم تتجه بها الأمور نحو الهاوية السحيقة التي لا تقوم لها بعدها قائمة!.. نحن بشر كغيرنا في سنغافورا ودول الخليج.. لدينا عقول نفكر بها كما لديهم هم..، لدينا آمالنا وطموحاتنا وأحلامنا كما لديهم هم..، ولكن نختلف معهم في الثقافة المجتمعية والسلوكية.. الثقافة العدائية التي تجد من يغذيها..، ويضع لها البرامج والخطط والتوجهات المستقبلية.. ثقافة الهيمنة والسيطرة والإقصاء والاجتثاث والتهميش.. الثقافة البليدة المملوءة حروفها كرهاً وغلاً وبغضاء تجاه الآخر المختلف.. إنها ثقافة أنا ومن بعدي الطوفان.. إنها الثقافة التي تم تغذيتها خلال عام ونيف بكل الوسائل والممارسات، ونرى اليوم من يعمل على تعزيزها وترسيخها في القلوب والنفوس معاً.. وبنفس الأساليب والوسائل المليئة بالكذب والتضليل وبعبارات الجهل والتجهيل.. مع كل أسف.. أعجبني كثيراً ما كتبه الدكتور سيف العسلي في أخيرة صحيفة «الجمهورية» في العدد الصادر أمس الأول الاثنين بعنوان «الخطاب الثوري والخطاب الانتقامي».. وإن أختلف معه في مسمى «الثورة» هنا إلا أني أعجبت بتفريقه بين الخطابين كالفرق بين المطر والبرد.. الدكتور العسلي وجّه نصائحه لمن يطلقون على أنفسهم ثواراً التخلي عن خطاب الحقد والانتقام والتحريض واتهام المخالفين بالخيانة والعمالة؛ لأنه يسيء لمستقبلهم ومستقبل أبنائهم.. وأنا أضيف ويسيء لوطنهم الذي يجمعهم مع المختلفين لهم كلمة وقضية وأملاً..، وحلماً لا يمكن تجزئته أو تفريقه بحسب الأمزجة والأهواء.. إن خطاب الحقد يتغلغل اليوم ويتحول إلى ثقافة.. ثقافة لا تبني بل تدمر.. لا توحد بقدر ما تشتت وتفرق.. لا تنوّر بقدر ما تنفر..، وثقافة لا يمكن معها الانتصار لآدميتنا وتطلعاتنا ولحلمنا الذي يتجه صوب الوصول إلى ما وصلت إليه سنغافورا ودول الخليج.. إذاً مشكلتنا الرئيسة في الثقافة التي تتعزز وتترسخ صراعاً وعداءً لا يهدأ أو ينام.. فهل نبكي ونتسلح بالبكاء علَّ القدر يرأف بنا وينقلنا بين ليلة وضحاها إلى مصاف سنغافورا ودول الخليج؟!.. [email protected]