الحقيقة التي تجلّت بوضوح عقب توقيع رئيس الجمهورية على المبادرة الخليجية وتوقيع الأطراف السياسية في الساحة الوطنية على آليتها التنفيذية المزمَّنة تقول: إن اليمنيين انتصروا لأنفسهم واختاروا السلام بدلاً عن المضي صوب حفر قبورهم بأيديهم.. تجلت الحكمة اليمانية التي جسدها رئيس الجمهورية بكل ثقة واقتدار، ومعه كل أطراف العمل السياسي الوطني..، الذين أكدوا بالمطلق أن الأزمات وإن تفاقمت فمصيرها في النهاية إلى التلاشي والاندحار لا سيما في يمن الإيمان والحكمة، والتي دائماً ما تؤكد للعالم قدرتها على تجاوز المحن والخطوب وإن تكالبت عليها من كل اتجاه.. لغة السلام والإخاء والمحبة هي من تنتصر دائماً، وهي من يعلو صوتها على كل لغات القطيعة والكراهية والحقد والتآمر.. فالسلام هو ديدننا دائماً وأبداً وما عداه غير مرحّب به وزائل لا محالة.. انتصر اليمنيون لليمن أولاً، وانتصروا للمستقبل، وبدأنا اليوم صفحة جديدة تتجه بنا نحو تحقيق التغيير وصياغة واقع وطني جديد عنوانه الوحيد والأوحد هو المشاركة الوطنية الواضحة التي تقود إلى بناء الدولة المدنية الحديثة بعيداً عن كل لغات القطيعة ودعوات الإقصاء والاجتثاث والإلغاء.. بناء دولة مدنية حقيقية بشراكة كل أبنائها وقواها السياسية والمدنية الحية التي تنظر إلى المستقبل نظرة صادقة ومسؤولة.. ما توصل له اليمنيون اليوم هو بفضل الحوار المسؤول الجاد والبنّاء.. كخيار جوهري وأسلوب يحوز الإجماع ويجمع كل التباينات والاختلافات على طاولة وطنية واحدة، وبدون الحوار فيقيناً لم نكن لنصل إلى هذا الانتصار الوطني والشعبي الذي حافظ على النهج الديمقراطي وأنقذ الوطن وأبناء الشعب من السقوط في مهاوي الحرب الأهلية..، وقاد إلى تحقيق التغيير بطرق سلمية وديمقراطية وبمباركة عربية وإقليمية ودولية..، ودون القفز على إرادة الملايين من أبناء الشعب.. وبالتأكيد ولجعل هذا الانتصار واقعاً وطنياً معيشاً ينبغي أن تصدق النوايا وتتجه كل أطراف المنظومة السياسية ومعها كل أبناء الشعب وفي مقدمتهم الشباب نحو العمل الجاد والمسؤول والصادق لنسيان الماضي وتجاوز كل الآلام والمواجع من أجل اليمن التي تجمعنا هوية وتدفعنا دائماً لفدائها بدمائنا وأرواحنا.. العنوان الثابت والواضح الذي يتجلى اليوم هو الاتجاه الصادق نحو تعزيز القيم الحية التي ترسخ مبادىء البناء، وترفض كل الرفض أساليب الهدم والفوضى والتخريب.. عنوان الغد الثابت والمبدئي يؤكد النظر للوطن بمسؤولية، وهذه المسؤولية تعني بمفهومها الواسع والكبير الإيمان بالآخر واحترام حق الاختلاف، والإيمان بالشراكة الوطنية الصادقة، والتنافس البرامجي المتكافئ، بعيداً عن بث الدعوات التحريضية والحث الدعائي والإعلامي المتواصل على المضي في أعمال غوغائية وإقلاقية، وإنهاك الوطن والدولة في متوالية لانهائية من الأزمات والمصائب.. إن التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمَّنة أكد للعالم أجمع أن اليمن واليمنيين بدأوا بكتابة تاريخ آخر لحاضرهم ومستقبلهم، وهذا التاريخ الجديد يتطلب إيمان اليمنيين وقدرتهم على تجاوز الأزمة وما أحدثته من تداعيات على مستوى الوطن ومستوى الفرد.. المستقبل لا يُبنى ولا يمكن الوصول إليه في ظل حضور الأحقاد والاستمرار في الترويج لثقافة الكراهية أو في ظل استمرار آلة الخطاب الدعائي المسيء للآخر في الدوران..، وإنما يُبنى بتعزيز قيم المحبة والإخاء والتسامح بين كل أبناء الوطن، والتأسيس الواضح لقاعدة الوفاق الوطني على أسس الشراكة بين مختلف القوى السياسية في الساحة.. لتصدق نوايا جميع أبناء الشعب.. ولنتجه معاً صوب المستقبل وبناء اليمن الجديد بعيداً عن استدعاء الماضي وجرّه إلى المستقبل..، وبعيداً عن لغة الثأرات والصراعات التي ستعيدنا إلى الخلف .. والوطن في الأول والأخير ملك كل أبناء الشعب وليس ملكاً لشخص أو جماعة بعينها أو حزب بذاته.. والرحمة والخلود لكل شهداء الوطن الأبرار..