نحن اليوم بصدد مكاشفة يابانية للعرب, لا تنتمي للعدو التقليدي ولا علاقة لها بمنطق الاستشراق المؤسسي الذي كثيراً ما رميناه بتهمة خدمة المستعمر وأهدافه, ولا صلة لهذه الشهادات بمآرب يابانية دفينة, أو أهداف استعمارية جديدة. بل هي شهادات صادرة عن رجل أفنى عقوداً ثمينة من حياته وهو يتتبع الثقافة العربية وأحوال العرب. ينشر الجديد والأجد, ويحاول استقراء عمق هذا الزمان وأبعاده..يقول الكثير بروح المحبة الخالصة, لا التشفي المُغرض . هذا هو الدكتور الياباني المستعرب “نوبواكي نوتوهارا” الذي كتب في ما لا يزيد عن 140 صفحة ما يراه في العالم العربي, محدداً محنة العرب ومشكلتهم المركزية.. كاشفاً الجوانب الأكثر قتامة وإظلاماً في الزمنين السياسي والمجتمعي العربي. يعتقد نوتوهارا أن مشكلة العرب الأولى تكمن في الاستبداد الذي أصبح ينتظم حياتهم اليومية, فالحاكم العربي وبغض النظر عن تسميته ومرجعيته المُعلنة ليس إلا حاكماً شاملاً يملك الأرض ومن عليها, والمؤسسة السياسية العربية مهجوسة بخدمة الحاكم والتقاط إشاراته, وتعمير عباراته, وتحويله إلى كائن خرافي يتمدد بأذرع تنين قاتل.. سارح في عطائه المادي الأقرب إلى السفه, أو قسوة انتقامه الدموي المتجاوز للوحشية!. هذا كلام منقول بحرفه مما قاله الكاتب الياباني. نوتوهارا الذي أصدر قبل حين كتابه بعنوان “العرب .. من وجهة نظر يابانية” , يرى بأن الإستبداد في العالم العربي هو السبب المباشر للتآكل الداخلي والضعف العملي, ويرى بصدق, أن الإنسان المُحاصر بالخوف لا يمكنه أن يكون حراً, أو أن يقدم مساهمة خلّاقة في التنمية والتطوير, فإذا كان الياباني يخاف من الزلازل والصواريخ الكورية, فإن العربي يخاف على يومه وغده.. مسكون بالرُّعب المؤبد.. يعيش خارج ذاته.. ينفصم, لأنه لا يرى إلا بعدسات الحاكم وبطانته الفاسدة. ويتتبع المؤلف مسارات المحنة وتجلياتها اليومية على مختلف الأصعدة، مُركزاً على الجانب القانوني, فالنص القانوني مرفوع عن القوي, مُسلط على الضعيف. والشفافية غائبة, والمحاسبة تحيق بالصغار, لا المتنفذين اللاهثين وراء المكاسب غير المشروعة . هذه الشهادات الصاعقة التي قدمها الدكتور الياباني المحب للعرب والعروبة ، تكشف لنا فداحة الحال وسوء الخواتم, فنحن لسنا بصدد أمريكي مأفون, أو أوروبي متآمر .. بل أمام وجهة نظر يابانية نابعة من استقراء وتتبع استمر عقوداً من الزمن .. فهل يمكننا بعد كل ذلك أن ننكر الحقيقة الماثلة , وتداعياتها القاتلة ؟. [email protected]