صدر كتاب نوباكي نوتوهارا بعنوان “العرب من وجهة نظر يابانية” قبل ما يُسمى بالربيع العربي. وبدا حينها كاستباق مفاهيمي لما قد يحدث في العالم العربي، واتضح جلياً أن الكاتب يستقرئ المعادلة الوجودية العربية من خلال المُقدمات الكفيلة بتحويل الظاهر الساكن الى عواصف وانتقالات تراجيدية، وهذا ما رأيناه منذ “الصُّدفة” البوعزيزية التي أومأت إلى قانون التاريخ ودهائه، فما حدث في تونس كان تعبيراً موازياً لما حدث لاحقاً في أكثر من بلد عربي، وما اعتبرناه صدفة عابرة، تكشّف عن ناموس صاعق من نواميس التاريخ، وما بدا اعتيادياً سرعان ما تحوّل إلى طوفان عارم، ما زال يعيد إنتاج متوالياته التراجيدية بكيفيات مأساوية وملهاوية. البحث عن الخيط الرفيع الذي يصل ويفصل بين الظواهر ومقدماتها أمر في غاية الأهمية، ومايجري في العالم العربي ليس بعيداً عن منطق التاريخ والجغرافيا السياسية الدولية. إن مراجعة متأنيّة لحوادث التاريخ القريب والبعيد تمنحنا فرصة استثنائية لاستباق العواصف والتعامل مع مقدماتها ونتائجها، وبالمقابل تكون الغيبوبة المشفوعة بالإستيهام والنشوة المزيفة سبباً لدمار هائل. ذلك ما حدث على مستوى الإمبراطوريات التاريخية التي سادت ثم بادت، فما بالنا بالحالة العربية المحكومة بالتشظّي والحيرة والقلق. اليوم ونحن بصدد النظر إلى أمر المنطقة العربية، نرى بعين اليقين كيف أن النظام القديم لن ينحسر بين عشية وضحاها، بل سيظل مراهناً على عناصر قوته النسبية، ومضمونها الفوضى العارمة التي ستضع الجميع في مرجل يغلي بأهله. [email protected]