التاريخ يعيد إنتاج نفسه بطريقة مأساوية وملهاوية؛ لكنه فيما يفعل ذلك يتحرك قُدماً إلى الأمام، وهذا ما سنراه في عالم الربيع العربي الذي ما زال يسبح في مياه الاحتمالات والتحديات الكبيرة، وسنرى أن المستقبل المُداهم قد يعيد إنتاج هذا الربيع التراجيدي بكيفيات جديدة، وقد يتيسَّر للعقلاء إلهامٌ ربانيٌ يجعلهم قادرين على الخروج من شرنقة الثقافة السياسية العدمية التي ترى الأنا المأفونة بالذاتية فوق كل اعتبار، وترى الآخر المُغاير مشروع عدو دائم. تلك هي مصائر الثورة، فما حال الدولة إذاً؟ للإجابة عن هذا السؤال العسير، من الضرورة بمكان الإشارة إلى أن نظريات انهيار الدولة ترتبط حصراً بالثورات والانقلابات العاصفة في المجتمعات البشرية؛ لكن هذه الانهيارات ليست لصالح أحد، ولهذا السبب يحبذ علماء الاجتماع والتاريخ تلاشي الدولة القديمة تدريجياً، وإفساح الطريق لنشوء وارتقاء الدولة الجديدة، دونما مساس بأدوات الدولة النمطية. هذا الخيار يُجابه تحديات كثيرة؛ أبرزها نوع العقل السياسي المعني بتنفيذ هذه المرئيات، وطبيعة البيئة الثقافية الناظمة للحياة العامة، وتغوُّل المنطق الاستقطابي الحاد، وخاصة ذلك المنطق الميتافيزيقي الذي يدّعي امتلاك الحقيقة التامّة العامّة والشاملة. الميتافيزيقا الممارسية والفلسفية ليست سمة مُجيّرة على الدين كما قد يتبادر إلى الذهن، بل إنها نمط تفكير تجعل كافة الفرقاء المُتناقضين قابلين للوقوع في مصايدها القاتلة، فاليساري المتعصب ميتافيزيقي، تماماً كالاستقطابي الحاد، أياً كان لونه السياسي والعقدي. نحن لا نواجه محنة الميتافيزيقا “السماوية” التي ما أنزل الله بها من سلطان، والخاطفة لأقدس مقدساتنا، بل أيضاً تلك المتنطِّعة باسم المستقبل والحرية.. ميتافيزيقا من طراز ديمقراطي!!. [email protected]