الاعتراف بأن الثقافة الوطنية مُجيرة على الثقافة السياسية أمرحميد، وتبعاً لذلك ليس من ثقافة وطنية بالمعنى الإطلاقي للكلمة إلا إذا كانت تتمرآى في أساس التنوُّع الخلافي بوصفه سنة من سنن الحياة، وبهذه المناسبة سنرى أن الآداب السياسية اليمنية المعاصرة تصف الحركات السياسية باعتبارها حركات وطنية، وكأنما من يُخالفها الرأي ليست وطنية،وفي هذا النوع من التصنيف درجة عالية من المُخاتلة المقرونة بإلغاء الآخر. تلك ثقافة سياسية عقيمة، وغيرمُعترفة بالحقيقة، فالأصل أن كل التنوُّع السياسي الخلافي في الرؤى والمقاربات والايديولوجيا إنما تنتمي لذات الوطن، ويحق لنا أن نسميها وطنية بجملتها،حتى لايحتكر البعض مفهوم الوطنية، ويرى في المُخالف خارجاً عن الوطنية. لقد حدث هذا النوع من التصنيف والتوصيف الجائر على مدى عقود التطاحن بين النماذج الفكرية والسياسية المُتباينة، فكان من حق المنتصر احتكار الوطنية، مقابل وسم الآخر السياسي بوصفه عميلاًخائناً ورجعياً،وما إلى ذلك من أوصاف بائسة تعيد انتاج ذات الثقافة السياسية. حدث هذا التقليد الثقافي غير الحميد في شطري الوطن قبل الوحدة، ومازالت هذه الثقافة تستجر ماضيها الرديء إلى يومنا هذا. ومن المحزن حقاً أن فرقاء السلطة والمعارضة مازالوا يعيدون انتاج هذه الثقافة الكسيحة بكيفيات مختلفة . لن يتمكّن اليمن المعاصر من تذويب سيئات الماضي بمجرد تحدي معالم الاصطلاحات والمفاهيم والأبعاد، بل إن هذا الأمر مقرون بإرادة سياسية ناجزة، تتصدّر السلطة الوطنية تحمل استحقاقاتها، وتكريس تسامحها. السلطة الوطنية الرائية لهذه الحقيقة تقدم المثال والنموذج في ذاتها، والسلطة التي تبارز الماضي بأدوات الماضي تصل إلى نقطة الاحتقان ونفي الذات من خلال نفي الآخر. [email protected]