الثقافة العربية تتصل بالواقع العربي الذي يمكن توصيفه بأنه واقع مأزوم بطريقة غير مُرضية، فالأزمة بذاتها ليست مشكلة، لأن الأزمة بالمعنى الفلسفي صفة مقرونة بكل المجتمعات، من حيث كونها سبباً للولوج إلى عوالم جديدة ومعالجة مشاكل قائمة، وإعادة النظر في مألوف العادات .. غير أن الأزمة غير الحميدة هي السائدة في الزمن العربي لسبب بسيط هو أن هذه الأزمة ليست سبباً في الولوج إلى عوالم جديدة، ومعالجة المشاكل ، بل العكس .. حيث إننا نعيد إنتاج المنتج بكفاءة عدميّة، ونُرحّل الأزمات، ونُحسن فن إدارة الأزمات بالأزمات لا العكس !!. أمام هذه الحقيقة المفجعة يمكننا أن نتخيل وضع الثقافة بوصفها تمثيل حصري لذاكرة جمعية تاريخية، ويمكننا أن نتخيّل مدى التمزق الداخلي في نفوس النخب الرشيدة الرائية لفداحة الموقف . هذا هو حال الثقافة العربية بموازاة الوجود الاجتماعي المأزوم، وبالتالي يمكننا أن نصل إلى توصيف ما نحن عليه من حال في عالم يرتقي فيما نهبط إلى درك سحيق .. إننا ببساطة شديدة في اشتباك عسير مع الذات والتاريخ والآخر الإنساني، وليس بوسعنا فض هذا الاشتباك إلا بمراجعة ما جُبلنا عليه وأفضى بنا إلى ما نحن فيه من ضعف ووهن وتمزق.. الإعلام العربي بشقيه الرسمي والأهلي تعبير آخر عن الحالة العامة، وربما كان أبرز مظهر لهذا الإعلام المتراجع المفارقة الصاعقة بين خطابين أحدهما ديني سياسي فاقع اللون ومفارق لنواميس الأرض والسماء، والآخر متهتك ساقط لا يتورع من ترويج كباريهات الفضاء المُسمم لملايين المشاهدين، وبين هذين المشهدين الفاجعين المجيرين ضمناً على أنظمة الإقامة في الاستبداد الظاهر والمستتر فضائيات رسمية تثبت يوماً عن آخر أنها فاشلة بامتياز، لأنها لا تعدو أن تكون منبراً للحاكميات البرتوكولية المتكلسة.. لكن هذا المشهد على كآبته يتقاطع مع مُستجدات وتململات وحراك مؤكد حتى داخل الأجهزة الإعلامية الرسمية. الصحافة المكتوبة والمسموعة تشهد بدورها حالة موازية، لكن ظاهرة الإذاعات المحلية الموجهة، والصحافة النشطة تمثل محطة ايجابية من حيث التصاقها بالزمان والمكان المحددين، ومكاشفتها الإجرائية لما يجري في الواقع، وتبايناتها التي تفضي إلى ماراتون خلاق على المستويين الإبداعي والدلالي .