يواجه العرب أسئلة مُركّبة ومعقدة في زمن المتغيرات العاصفة، ولهم أن يتفكَّروا ملياً في المخارج السالكة، ذلك أن العقل البشري مُطالب دوماً بحل المعضلات، وحلحلة المشكلات؛ وإذا لم يفعل فإن زمن التاريخ المُداهم الصعب سيأخذ مجراه رغماً عن الجميع، وخارج كل توقعاتهم. ما حدث في الطور الأول للربيع العربي ينذر بطور ثانٍ أدهى وأمر، ولا مفر من مُجابهة التالي إن لم نحسن التعامل مع معادلتي الثورة والدولة على قاعدة تحصين عوامل الدولة ومؤسساتها، وعدم الخلط بين الأهداف النبيلة للتغيير وما يحدث من تخريب في المؤسسات المختلفة للإدارة والتسيير. خطف الناس، وترويع الآمنين، وقطع الطرقات، وتفجير أنابيب النفط والغاز، وقطع الكهرباء، والاعتداء على المصالح العامة للناس لا علاقة لها بالاصلاح والتغيير المنشود، سواء تمَّت إدارة هذه الخرائب من الجيوب الخفائية للنظام الخابي المتلاشي، أو تداعى معها نفر من العوام المُتطيِّرين، دونما إدراك لمصلحتهم الحقيقية، كما فعل الأشقاء الصوماليون بعد سقوط نظام “سياد بري”، حيث تكفّل التعصُّب والجهل بإنهاء الدولة ذاتها، وكان ما كان مما هو مسطور على مدى عقدين ونيف من البؤس والشقاء المترافق مع غياب الدولة. في اليمن ومصر وليبيا وتونس شواهد على مثل هذه التصرفات المدمّرة، وليس مبرراً أبداً الإشارة بالبنان لفلول النظام السابق وجهابذته الموهوبين في إدارة الخرائب، فالمطلوب هنا الشروع في مواجهة الحقيقة السافرة، والقبض على جمرة الاستحقاق. لا مفر من مواجهة خفافيش الظلام من المجرمين المأفونين، من خلال تجفيف منابعهم ومقارعتهم بالحق؛ ولا مفر من محاسبة ميدانية قانونية واضحة تجاه من يتجرأون على تدمير بنية الدولة والمجتمع. مالم فإن على قوى التغيير المُعلن الانسحاب من المشهد، وترك الأمر للتاريخ وقوانينه الموضوعية. [email protected]