انكشف المستور، وبانت عورة النظام النقدي الدولي المرفوع بحراب الدولار، واستتباعاته الباهظة على البشرية. هذا ما حصل ويحصل اليوم في البورصة الدولية، وفي أسواق الأسهم والإقراض والاستثمار، حيث تتحول العملة إلى موازٍ لاقتصاديات الخرائب والأوهام والحروب، وتتحول فيها القيم المادية إلى فراغ يتجسّد في ما يُسمى « التصفير المالي» ، فلا المستفيد من القروض يستطيع تدوير المنشأة التي اعتقد يوماً ما أنه سينال منها مكاسب جمّة، ولا المُقرض يستطيع استرجاع رأس ماله، وهو الذي احتسب لأرباح وهمية، فلا كانت الأرباح، ولا كان رأس المال الأصلي، فإذا بالطرفين يقبعان في حفرة «الصفر العددي»، فيما تتحمل الدول وزر ما فعله المُتطيّرون اللاهثون وراء الأرباح المستحيلة . الآن يطالب عُتاة البورصة الدولية استعادة دور الدولة في تنظيم الاقتصاد المالي، وهكذا فعلوا إثر الأزمة المالية في ثلاثينيات القرن المنصرم، ولكنهم فيما يطالبون بالإصلاح لا يعترفون بجذر المشكلة وجوهرها، بل يعتقدون أنه لا بديل للنظام المالي الذي تخرْسن منذ “ بريتن وودس” ، وما زال يعيد إنتاج خرائبه. إنهم يرون النظام الرأسمالي نموذجاً واحداً متأمْركاً حتى النخاع، ويقرأون الأزمة المالية من خلال الأبعاد التقنية الوظيفية للملتبسين بها، دونما التفات للمشكلة الهيكلية الجذرية التي تطرحها. يتأبّى منظرو الألفية الجديدة لرأسمالية ما بعد الرُشد والرشاد عن الاعتراف بالحقيقة الجوهرية لمحنة النظام النقدي الدولي الذي تحول إلى اقتصاد نقدي للبؤس بامتياز. [email protected]