فكرت وفكرت.. ثم فكرت وفكرت وانتهيت إلى أن حمل البندقية والتجول بها في الوقت الراهن أجدى وأنفع من حمل القلم والانكفاء على كتابة مواد صحفية قد لا يقرأها أحد سوى المحبطين والعاطلين عن العمل.. يأتي هذا القرار بعد أن تيقنت أن الدواهي التي تداهم الكاتب الصحفي جراء مهنة المتاعب لا يدفعها عنه غير رب الأرباب وأصوات متفرقة قد تصدر من نقابة الصحفيين أو منظمات غير حكومية، أما ضباط الداخلية وما يتبعهم من أقسام ومناطق أمنية فإنهم مشغولون حتى الحلقوم بتحسس القضايا سهلة البلع الدسمة التي تمكنهم من تأمين مستقبلهم ومستقبل أولادهم. أما القضايا الكبيرة التي يفجرها الكبار والتي تتوالى تباعاً ولها تأثيراتها المباشرة في هتك حجب السكينة العامة وتزعزع الأمن والاستقرار فإنهم يتحاشون الخوض فيها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا ولا يجدون في أنفسهم حرجاً من الإعراض عنها تحت أعذار هي أقبح في حقيقتها من الذنوب التي يمارسونها بحق المساكين والغلابا الذين يساقون إلى أقسام الشرطة وإدارات البحث سوقاً على ذمة قضايا تدور في فلك الأمن العام أو السباب أو الاختلاف على مخارج ومداخل البيوت أو شجار طرأ بين أطفال الجيران.. وطقم يسير وطقم يرجع وأجرة تروح وأجرة تجي ورسّامة تزيد ورسّامة تنقص.. أما المهام الأمنية من نوع منع الجريمة قبل وقوعها فإنها لا تعنيهم وما سمعوا بها في آبائهم الأولين كما أنها تجلب النحس لمن تصدى لها، لذلك لا بأس من غض الطرف عنها كونها بدعة والبدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ويكفيها عوضاً عن القيام بهذه المهام المرهقة المتعبة التي تعرض حياتهم المفعمة بالرفاهية والأنس للخطر أنهم يهرعون بمعية الأدلة الجنائية لمعاينة مسرح الجريمة وتصوير القتيل وإيداعه في ثلاجة حفظ الموتى وسنكون ممن لا يرعون المعروف إذا تنكرنا لفضلهم الجزيل في مشاركة أهل الدم مراسم تشييع الجثمان ببزاتهم العسكرية الأنيقة المزينة بنياشين البطولة والشرف. ووفقاً للقواعد الأمنية المتبعة فإن تلك الطقوس المرعبة تستنتج بجملة من الإجراءات لا يخرج عنها إلا شخص لا يفهم في الأمور الأمنية فإن كان الجاني ضعيفاً ولا ظهر له فيتم ضبطه وإقامة الحد الشرعي عليه، وإن كان من العيار الثقيل فإن رجالات الأمن يصعرون خدهم ويفسحون المجال واسعاً حتى تأخذ ال.... قبيلة مجراها فإن تبين أن أفراد عائلة القتيل مكبلون بهزال قبلي وفقر مادي تقرأ على دم الضحية السلام الذي لا محالة سيتبخر في الهواء بعد ساعات من دفنه ولن يتأخر الارشيف الأمني من إغلاق ملف القضية ضد “عفط”. لقد تأكد لي أن الكفر بالقلم الصحفي واعتناق الثقافة القبلية العوجا منها خاصة والانخراط في صفوف المبندقين خطوة تضمن لك تحولاً نوعياً على صعيدك الشخصي وتجعل منك رجلاً أسطورياً مهاب الجانب تحرص الجهات الأمنية على خطب وده والتفاني في تلبية رغباته “العوجا قبل القادية” لأنها مطالب تتحول بفعل البندقية المضادة إلى أوامر واجبة التنفيذ. هذا الزمن العجيب لا يرحم فإذا كان لديك مدفع فأنت تساوي مدفعاً وإن كان عندك بنادق فأنت تساوي البنادق وإذا كان معك قلم فأنت لا تساوي سوى قلم يمكن رميه في الزبالة وابتياع قلم آخر بعشرين قرشاً. قطعاً لقد أغواني عالم البندقية بسحره الغامض وقوته الآسرة الذي يتيح لك أن تتحكم في رقاب العباد وتحكم البلاد وتتسيد المسئولين ليس لاستعادة الكرامة الإنسانية المهدورة المشنوقة على حبال مفتولة خيوطها بأصابع راعي الغنم الذي يشجع الذئاب على افتراس العنز الجرباء المتمردة عليه فحسب بل للارتقاء إلى مصاف الضواري التي تنهش ضحاياها بلا شفقة.. أقولها صراحة لدي نوازع متوحشة في كياني وميول عدوانية على كل ما يدب في وجه الأرض، ولكن لم أجد حتى الآن شيخاً أو متمشيخاً أو حتى فتوة يتبناني ويوظف قدراتي الواعدة في هذا الجانب ولن أنسى تخصيص جزء من هذه العضلات في إنصاف المساكين والمظلومين ممن بتلاعب بحقوقهم تأسياً بقاعدة وما ظالم إلا سيبلى بأظلم. فإذا رأيتموني أحمل بندقية على كتفي فلا تلوموني ولوموهم..!!