يحرضني الغياب بمسببات لا أمتلك حق مقاومتها, على معاودة الحضور, وتحرير نفسي من تسلط الغياب.. سلطة تغييب يكون الزمن فارسها, وسلطة تغييب تكون ملامح الكآبة وجهها, واحتراق الأعصاب اليومي حالة من حالاتها المتكررة.. لا أمتلك امتيازات تاريخية تخرجني عن دائرة السائد والمألوف, ولا أستطيع كسر حلقة الدائرة التي تنغلق دون أن أعرف لماذا انغلقت؟ ومتى ستفتح؟ ولست قادرة على استرداد الوعي عندما يداهمني غيابه, ولا أجزم أن هناك من يحاصرني ويصر على قفل كل المنافذ التي من الممكن أن تتنفس من خلالها.. هو غياب, وليس تغييباً, فالغياب قسري, والتغييب أيضاً قسري لكنه بفعل فاعل, إذن هو غياب, وتغييب, لأن الغياب أحياناً ورغم تلقائيته نظل لا نستطيع حياله فعل شيء.. أغيب بقوة الحضور, وتتمازج ألوان الحلم مع الغياب, ويتضح المعيار الحقيقي كما أتصوره مرئياً ومسموعاً, تتفكك حروفه الأبجدية, وكأنها موانئ غادرت أماكنها لترحل بحثاً عن استنبات أرض جديدة.. أغيب وأعاود الحضور مأسورة بفعل الكتابة التي بالنسبة لي التاريخ يعرضه زمني, والمساحة التي يستهلكها عمري.. عندما أغيب عن الكتابة قسراً تبدو الأشياء ملامح باهتة تستحق البكاء, وتبدو ملامح الحياة مكشوفة تبحث عن غطائها.. روعة الكتابة أنها أحاسيس غير قابلة للجدل, أو البحث عن مواصفات خاصة بها, هي فرصة سانحة ومهيأة للتفتيش في الداخل, للسماح للطوفان بأن يمتد, والحياة بأن تفرض حضورها, والأسئلة تتوالى دون الخوف من أن هناك من يستطيع أن يستطيع أن يتصدى لها.. أكتب أحياناً لأبدو كالمجانين الذين يستحقون العلاج الفوري .. أكتب بحثاً عن لغة جديدة لا تشبه غيرها.. أكتب لأ ستمتع بهذا الحب الذي لا ينتهي, هذا الحب الذي أجتاز معه دورة الحب بالعشق والغرام, والهيام, ثم التلاقي الذي يتحول إلى علاقة أبدية بيني وبين ما أكتبه.. أكتب لأستعيد نبض قلوب أدمنت سرعة إيقاعها.. أفتح الحياة عندما أكتب لنفسي, وأسعد عندما أصل لغيري دون استئذان أو لحظة لا تحتمل التأجيل.. أشعر بالحب عندما أكتب.. تغرم المفردات, ويتشكل النص بلغة وإن بدت نرجسية أحياناً إلا أنها تعتبر حدثاً حضارياً مثيراً.. أتنفس وأنا أستجوب المفردات, وأدخل في تفاصيل حروفها , وأمطرها بالرغبة في استكمال ما أكتب, لذا عندما أكتب أمارس فعل الكتابة بإحساس العاشقين, وأحلم بالتغيير, وأسمي الأشياء بأسمائها, وأهرب من متاهات الحياة المريرة التي تتنامى صعوباتها كل يوم.. أكتب لأكسر حاجز الإيقاع البارد والقاتل..!