تتعايش الأمم في سلام ومحبة عندما تعترف الجماعات والأفراد بالآخر وتقبل الاختلاف في الرأي وتؤمن بالتنوع الفكري ويحل التسامح والتفاهم والحوار محل النفور والأحقاد والبغضاء لأن التفاهم والتآلف والحوار نتيجة طبيعية للاعتراف بوجود الآخر وعدم إنكار الحقيقة في إن الوطن يتسع للجميع ويجب أن يبنيه الجميع وثماره نهوض الأمم والشعوب وتطورها ورقيها . إن الاختلاف والتنوع الفكري والثقافي يجب أن يكون عاملا ايجابيا في نهوض الأمة عندما يتشارك جميع أبناء الوطن بجميع اطيافهم السياسية والفكرية وتنوعهم المذهبي والمناطقي مادام ولاؤهم الأول لخالقهم الذي وهبهم هذا الوطن الجميل “ بلدة طيبة ورب غفور” ثم لوطنهم ومن العار أن يكون سببا في تمزقهم وتشرذمهم وارتهانهم للأعداء بغرض إضعاف الآخر وفي بعض الأحيان السعي للقضاء وإفناء الآخر والمخالف وهو مؤشر خطير وداء فتاك أول من يكتوي بناره من يمارسه لأنه سوف يقوض السلم والعقد الاجتماعي الذي يضلل الجميع ويمنح الحق للجميع في العيش الكريم وإتباع الطرق السلمية والحضارية لحل وإدارة أي خلاف سياسي أو مذهبي أو أي خلاف بعيدا عن التعصب الأعمى من أي نوع كان . إن اليمنيين أهل تجارب كثيرة وعاشوا أحداثاً متنوعة ودراماتيكية ولهم تجارب مختلفة وعاشوا الحياة بكل ظروفها ومصاعبها وجابوا أقطار الأرض واكتسبوا المعارف والتجارب العظيمة ولذلك تم وصفهم في الحديث الشريف بأنهم أصحاب إيمان وحكمة ولا يشذ عن هذا الوصف إلا متعنت متعجرف ، حشر نفسه في نفق مظلم وحاصر نفسه بفكر متحجر و غلب علية الغرور والنكران وسيطر عليه الوهم والهوى وهذا الصنف من الناس هو السبب الرئيسي في أزمة الحياة السياسية والفكرية والاقتصادية. ولنا في مجتمع يقود العالم سياسيا واقتصاديا وحضاريا وهو المجتمع الأمريكي مثال وعبره بغض النظر عن سلامة الدوافع والنوايا والأساليب فإن هذا المجتمع يتكون من مئات الطوائف والعرقيات والأديان والكل يعمل بدون كلل ولا ملل من اجل امة واحدة ورغم الاختلاف والتنوع إلا أننا لم نشاهد أو نسمع عن مشكلة في تداول السلطة أو توزيع الثروة الكل يسلم بنتائج صندوق الانتخابات ويجلس مع المنافسين والخصوم في مناظرات جماهيرية وتلفزيونة وكل يبرز برامجه وخططه للنهوض بالمجتمع والأمة والناخب هو من يختار ولم يلجا أي طرف لاستخدام السلاح رغم توفره ومنذ مئات السنين ورغم أننا كمسلمين وكيمنيين أولى بهذا السلوك إلا أننا كنخب سياسية وأحزاب وساسة ومشايخ قبائل وعسكريين تمترسنا خلف السلاح وفضلنا ثقافة المتاريس على ثقافة المدارس وأصبحت ثقتنا بالسلاح الذي امتلكناه على غفلة من الزمن وعلى حساب قوت المواطن البسيط أصبحت ثقتنا فيه اكبر من ثقتنا في خالقنا في عقولنا في تسامحنا في أخلاقنا في حكمتنا. المثل الثاني وغير البعيد هو ما حدث في دولة إسلامية عزيزة على قلوبنا وهي ماليزيا ومنذ زمن بسيط لا يزيد عن أربعين عاما ورغم التنوع والاختلاف الديني والعرقي بين القوميات المختلفة للمجتمع الماليزي الذي يمثل الملايو حوالي 50 % من عدد السكان والصينيون حوالي30 % والهنود حوالي 20 % ورغم هذه التركيبة الغريبة التي تمثل قنبلة قابلة للانفجار لو كانت في إحدى الدول العربية ولكن الله ستر ورغم هذا التنوع فقد استطاع البروفسور مهاتير محمد وعقلاء وخبراء وحكماء ماليزيا من كل العرقيات والأديان بناء أمة عظيمة ونمر من النمور الأسيوية التي أصبح الغرب يحسب لها ألف حساب. إذا إنه في الليلة الظلماء يُفتقَد البدر، وما هو هذا البدر الذي سيمحُو ظلمة الصراعات والاتهامات والمناكفات والتغامز والتنابز والاغتيالات والاحتراب في بلد الإيمان والحكمة، إن هذا البدر هو: الحكمة، نعم، الحكمة الغائبة في ظل الخلافات التي استعصى حلها ، الحكمة التي تقود الرَّكب إلى برِّ الأمان والنجاة من السقوط والهلاك، الحكمة التي يفتقِرُ إليها كلُّ مجتمعٍ ينشُدُ الفلاح لتُرتِّب لهم قائمة الأولويات ودرجات المصالح المفاسِد، الحكمة التي لا تُوجَد إلا في مُستودَع المرء النقيّ الصادق العامل، والعالِم الواعي، والسياسيّ المُحنَّك العارف بواقعه وحال مجتمعه، المُخلِص لربِّه، المُتَّبِع لنبيه - صلى الله عليه وسلم - الحريصِ على استقرار مجتمعه ووطنه المغلب مصالح الوطن على مصالحه الشخصية الذي ينظر إلى من حوله كبشر كرمهم الله ويستحقون الحياة الكريمة اللائقة وليسوا مسخرين لتحقيق نزواته وطموحاته فقط المشروع منها وغير المشروع وعندما أصبح عالم الدين وشيخ القبيلة والسياسي ورجل الأعمال وقائد المعسكر أغلى من الوطن والمواطن وأصبح شعارهم “من لم يكن معي فهو ضدي” نكون قد دخلنا النفق المظلم الذي حذرنا منه شيخنا العظيم عبدالله بن حسين الأحمر طيب الله ثراه ولو ورث أبناؤه حكمته كما ورثوا الثروة والجاه لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه ولكنا لازال أملنا فيهم وفي العقلاء من أبناء اليمن كبيراً في تجنيب الوطن الضياع وعدم جره إلى نفق مظلم لا يستطيع العودة منه وطمأنة المواطن بخطاب يعتمد الحجة والحوار والمنطق كأساس للتغيير نحو الأفضل و الذي ينشده الجميع فقد سئمنا خطاب التحريض والتخوين واللمز والغمز والتشكيك في كل شيء والذي تمارسه جميع الأطياف والأحزاب والجماعات الذين نطلب منهم أن يترفعوا عن الخطاب الذي يتعارض مع سماحة ومبادئ ديننا وقيمنا النبيلة وفي الأخير لم يعد لدينا ما نثق فيه إلا ثقتنا بالله ثم حكمه العقلاء من أبناء اليمن من كل شرائح المجتمع والى لقاء...