يصادف غداً الثلاثاء حلول العيد الوطني الثاني والعشرين لإعادة وحدة الوطن وقيام الجمهورية اليمنية التي ارتفع علمها خفاقاً عالياً صبيحة يوم ال22 من مايو 1990م في سماء اليمن والمحافل الإقليمية والدولية والسفارات والقنصليات اليمنية في الدول الشقيقة والصديقة.. يحل علينا عيد الوحدة للعام الثاني على التوالي في ظل أوضاع استثنائية وظروف صعبة يعيشها الوطن جراء الأزمة السياسية العصيبة وما نتج عنها من تداعيات مؤسفة على مستوى الوطن اليمني، وكذلك الأعمال الإرهابية التي يقوم بها عناصر تنظيم القاعدة في أكثر من منطقة وخصوصاً في محافظة أبين التي تشهد مواجهات عنيفة بين أبطال القوات المسلحة والأمن واللجان الشعبية من أبناء أبين الشرفاء وبين العناصر الإرهابية للقاعدة الذين يطلقون على أنفسهم «أنصار الشريعة» وهم في الحقيقة «أنصار الشر والشيطان». هذه الأوضاع الاستثنائية التي يمر بها الوطن منذ مطلع العام المنصرم 2011م وحتى اليوم سرقت منا الفرحة والبهجة بعيد الوحدة وحرمتنا متعة الاحتفاء بهذه المناسبة العظيمة والإنجازات التي تحققت للوطن والشعب في ظلها. وهذه هي المرة الثالثة التي تحل مناسبة عيد الوحدة في ظل ظروف عصيبة فرضت على شعبنا قسراً دون إرادة منه.. كانت المرة الأولى عام 1994م، حيث حلّت مناسبة العيد الرابع آنذاك في ظل ظروف عصيبة كان يمر بها الوطن جراء التداعيات المؤسفة للخلافات بين الشريكين الرئيسين في تحقيق منجز إعادة الوحدة وقيام الجمهورية اليمنية والتي تطورت إلى مواجهات مسلحة دموية ازدادت حدة بإعلان علي سالم البيض للانفصال المشؤوم مساء يوم 21 مايو 1994م، والذي فشل بسبب الالتفاف الجماهيري الواسع لأبناء الشعب اليمني حول القيادة السياسية الوحدوية التي رفعت حينها شعار «الوحدة أو الموت» فانتصرت الوحدة ومات مشروع الانفصال واستمرت مسيرة الوحدة والديمقراطية والتنمية تواصل تقدمها عاماً بعد آخر رغم الجراحات الكبيرة التي خلّفتها الحرب، إلا أن إرادة اليمنيين كانت قوية لتجاوز الآلام والمآسي التي خلّفتها تلك الحرب الطاحنة وكان لقرار العفو العام دور كبير في تضميد الجراح وتجاوز المآسي والآلام. ولكن للأسف الشديد فقد حدثت ممارسات وسلوكيات خاطئة بعد انتهاء الحرب من قبل البعض الذين شوّهوا الوجه الجميل للوحدة ورسموا صورة سيئة لها في أذهان الكثيرين وخصوصاً جيل الشباب، وهو ما تم استغلاله أسوأ استغلال من قبل أصحاب المشاريع الصغيرة ودعاة الانفصال، حيث عمدوا إلى إلصاق كل الممارسات والسلوكيات الخاطئة بالوحدة بينما الوحدة بريئة من ذلك براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام. من المؤسف أن يهلّ علينا العيد الوطني الثاني والعشرون للجمهورية اليمنية هذا العام كسابقه في العام الماضي رغم الانفراج الكبير الذي حدث لحلحلة الأزمة، وفي مقدمة ذلك تحقيق الانتقال السلمي للسلطة عبر انتخابات رئاسية مبكرة جرت في فبراير مطلع العام الجاري والتي تم فيها انتخاب المناضل عبدربه منصور هادي رئيساً توافقياً لليمن لفترة انتقالية مدتها عامان، وكذلك تشكيل حكومة وفاق وطني برئاسة الأخ محمد سالم باسندوة، حيث مازالت الأجواء متوترة والمشهد السياسي مضطرباً والطريق إلى المستقبل الأفضل واليمن الجديد مليئاً بالمطبات والحفر والأخاديد والتي تشكل صعوبات وعقبات جمة أمام القيادة السياسية وحكومة الوفاق الوطني يصعب تجاوزها والتغلب عليها دون تعاون صادق وجهود مخلصة من قبل كل الوطنيين الشرفاء الذين يجب عليهم استشعار مدى الخطر الكبير الذي يتهدد وحدة الوطن وأمنه واستقراره وسيادته الوطنية.. على كل الوطنيين الشرفاء وخصوصاً أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية أن يستشعروا عظمة اليمن وتقدمه وازدهاره، وأن عزة اليمنيين وكرامتهم وقوتهم تكمن في الحفاظ على وحدتهم وأن الانفصال لا يعني إلا التشرذم والضعف والهوان.. وكما قال الشاعر: «تأبى العصي إذا اجتمعن تكسراً وإذا افتقرن تكسرت آحادا» فيجب على أبناء الجنوب استغلال أن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة واثني عشر وزيراً من أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية وذلك لتصحيح الأخطاء التي ارتكبت من قبل البعض باسم الوحدة خلال السنوات الماضية والعمل على إعادة أية حقوق أو ممتلكات تم أخذها بدون وجه حق إلى أصحابها مع التعويض اللازم.. يجب على جميع اليمنيين الشرفاء الوقوف جنباً إلى جنب مع القيادة السياسية لتجاوز كل الصعوبات والعقبات والأوضاع الاستثنائية العصيبة التي يمر بها الوطن والانطلاق معاً لبناء اليمن الجديد والدولة المدنية الحديثة التي تتحقق فيها العدالة والمواطنة المتساوية لكل اليمنيين دون استثناء. يجب ألا تكون الوحدة اليمنية خاضعة للمساومات أو الصفقات السياسية، لأنها ليست ملك أشخاص أو جماعات أو أحزاب، وإنما هي ملك الشعب اليمني كله من المهرة شرقاً حتى الحديدة غرباً ومن عدن جنوباً حتى صعدة شمالاً.. والمهم هو العمل على إزالة كل الشوائب التي علقت بمنجز الوحدة وشوّهت صورتها الجميلة وأساءت لمكانتها العظيمة في العقول والوجدان.. فلا يجب معالجة الخطأ بخطأ أكبر وأسوأ.. فإذا كنا نقر بوجود أخطاء رافقت مسيرة الوحدة خلال 22 عاماً الماضية فلا يجب أبداً أن نصحح تلك الأخطاء بخطأ أكبر وهو الانفصال الذي يدعو إليه البعض، لأنه بديل أسوأ ستكون له عواقب وخيمة على الوطن والشعب، ولذلك فإنه يجب معالجة القضية الجنوبية في إطار دولة الوحدة وليس بالانفصال أو الدولة الاتحادية بإقليمين.. فكل البدائل للنظام السياسي مطروحة للتشاور دون التفريط بالوحدة.