الرئيس الزُبيدي: تدهور الأوضاع يحتّم على الانتقالي مراجعة قراراته    منح العميد أحمد علي عبدالله صالح حصانة دبلوماسية روسية..اليك الحقيقة    عاجل: قصف يستهدف سفينة جديدة غربي الحديدة بالبحر الأحمر وإعلان بريطاني بشأنه    فلكي يمني يحدد موعد أول أيام عيد الأضحى المبارك وبداية أيام العشر    بعد يوم من محرقة الخيام.. الاحتلال يرتكب مجزرة جديدة بحق النازحين برفح    الزُبيدي يؤكد على أهمية المخيمات الصيفية لخلق جيل مناهض للفكر الحوثي    المنتخب الوطني الأول يواصل تحضيراته في الدمام استعداداً للتصفيات الآسيوية المزدوجة    الوحدة التنفيذية : 4500 شخص نزحوا من منازلهم خلال الربع الأول من العام الجاري    عاجل: الحكم بإعدام المدعو أمجد خالد وسبعة أخرين متهمين في تفجير موكب المحافظ ومطار عدن    مارسيليا يسعى إلى التعاقد مع مدرب بورتو البرتغالي    نقل مراكز البنوك إلى عدن (المخاطر والتحديات)؟!    بعد تجريف الوسط الأكاديمي.... انتزِعوا لنا الجامعات من بلعوم السلفيات    ياوزير الشباب .. "قفل البزبوز"    بحضور القاسمي ... الاتحاد العربي للدراجات يعقد الاجتماع الأول لمكتبه التنفيذي الجمعة المقبل بالقاهرة    وزير الإعلام: مليشيا الحوثي تواصل استغلال مأساة المخفيين قسراً للمزايدة السياسية    انعقاد جلسة مباحثات يمنية - صينية لبحث مجالات التعاون بين البلدين وسبل تعزيزها    سد مارب يبتلع طفلًا في عمر الزهور .. بعد أسابيع من مصرع فتاة بالطريقة ذاتها    إثارة الخلافات وتعميق الصراع.. كيف تعمل مليشيا الحوثي على تفتيت القبيلة اليمنية؟    ''بيارة'' تبتلع سيارتين في صنعاء .. ونجاة عدد من المواطنين من موت محقق    غرامة 50 ألف ريال والترحيل.. الأمن العام السعودي يحذر الوافدين من هذا الفعل    هل رضخت الشرعية؟ تفاهمات شفوية تنهي أزمة ''طيران اليمنية'' وبدء تسيير رحلات الحجاج عبر مطار صنعاء    انطلاق أولى رحلات الحج عبر مطار صنعاء.. والإعلان عن طريقة الحصول على تذاكر السفر    شاهد .. وزير الزراعة الحوثي يعترف بمجلس النواب بإدخال الحوثيين للمبيدات الإسرائيلية المحظورة (فيديو)    استعدادات الأمة الإسلامية للعشر الأوائل من ذي الحجة وفضل الأعمال فيها    بن مبارك في دبي للنزهة والتسوق والمشاركة في ندوة إعلامية فقط    أكاديمي سعودي: التطبيع المجاني ل7 دول عربية مع إسرائيل جعلها تتفرعن    برشلونة تودع تشافي: أسطورةٌ تبحث عن تحديات جديدة وآفاقٍ أوسع    الإعلان عن تسعيرة جديدة للبنزين في عدن(السعر الجديد)    إنجاز غير مسبوق في كرة القدم.. رونالدو لاعب النصر يحطم رقما قياسيا في الدوري السعودي (فيديو)    بوخوم يقلب الطاولة على دوسلدورف ويضمن مكانه في البوندسليغا    خمسة ملايين ريال ولم ترَ النور: قصة معلمة يمنية في سجون الحوثيين    سقوط صنعاء ونهاية وشيكة للحوثيين وتُفجر تمرد داخلي في صفوف الحوثيين    الاستخبارات الإسرائيلية تُؤهّل جنودًا لفهم اللهجتين اليمنية والعراقية    العكفة.. زنوج المنزل    المطرقة فيزيائياً.. وأداتياً مميز    استشهاد جندي مصري في الحدود مع غزة والقاهرة تحذر من المساس بأمنها    الوزير الزعوري يلتقي رئيس هيئة التدريب والتأهيل بالإنتقالي ورئيس الإتحاد الزراعي الجنوبي    استقرار أسعار النفط مع ترقب الأسواق لاجتماع مجموعة "أوبك بلس"    تدشين دورة إدارة البحوث والتطوير لموظفي وموظفات «كاك بنك»    8200 يمني سيغادرن من مطار صنعاء الى الأرضي السعودية فجر غدا الثلاثاء أقرأ السبب    معالي وزير الصحة يُشارك في الدورة ال60 لمؤتمر وزراء الصحة العرب بجنيف    مغادرة أول دفعة من الحجاج جواً عبر مطار عدن الدولي    ''زيارة إلى اليمن'': بوحٌ سينمائي مطلوب    محرقة الخيام.. عشرات الشهداء والجرحى بمجزرة مروعة للاحتلال في رفح    شيفرة دافنشي.. الفلسفة، الفكر، التاريخ    سلطان العرادة وشركة غاز صافر يعرقلون أكبر مشروع لخزن الغاز في ساحل حضرموت    شاهد: فضيحة فيسبوك تهزّ منزل يمني: زوجة تكتشف زواج زوجها سراً عبر المنصة!    مارب.. افتتاح مدرسة طاووس بن كيسان بدعم كويتي    دعم سعودي جديد لليمن ب9.5 مليون دولار    - 45أعلاميا وصحفيا يعقدون شراكة مع مصلحة الجمارك ليكشفون للشعب الحقيقة ؟كأول مبادرة تنفرد بها من بين المؤسسات الحكومية منذ2015 فماذا قال مرغم ورئيس التحرير؟ اقرا التفاصيل ؟    الثاني خلال أسبوع.. وفاة مواطن نتيجة خطأ طبي خلال عملية جراحية في أحد مستشفيات إب    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    عالم يمني يبهر العالم و يكشف عن أول نظام لزراعة الرأس - فيديو    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    ما بين تهامة وحضرموت ومسمى الساحل الغربي والشرقي    وهم القوة وسراب البقاء    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تنظيم القاعدة وأساليب المخابرات
نشر في الجمهورية يوم 23 - 05 - 2012

لا ترى تيارات الجهاد بما فيها تنظيم القاعدة استراتيجية غير القتال والجهاد، فيؤكد عبد السلام فرج على فرضية الجهاد العيني على كل مسلم ضد الحكام، يقول: بالنسبة للأقطار الإسلامية، فإن العدو يقيم في ديارهم، بل أصبح العدو يمتلك زمام الأمور، وذلك العدو هم هؤلاء الحكام، الذين انتزعوا قيادة المسلمين، ومن هنا فجهادهم فرض عين. (الفريضة الغائبة، ص 19).
نتيجة لهذه الاستراتيجية كان الهدف الأساس خلال المرحلة الأولى للمجاهدين والتي تمتد حتى نهاية الثمانينيات هو القتال ضد الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، وخلال المرحلة الثانية التي انطلقت فيها المسيرة تبنى تنظيم الجهاد قضية الدفاع عن المسلمين المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، من خلال (جيش القاعدة) الذي أسسه بن لادن، بمساعدة أبو عبيده البنشيري، وأبو حفص المصري، وكان تدشين (الجبهة الإسلامية العالمية لمقاتلة اليهود والصليبيين)، هو التجسيد الفعلي لهذا التحول، وبذلك تحولت الإستراتيجية الوقائية خلال الجهاد الأفغاني إلى أخرى هجومية، على غرار ما حدث في هجمات واشنطن ونيويورك عام 2001م، ومن قبلها تفجيرات دار السلام ونيروبي في أغسطس 1998م.
تبدو جدلية وأولوية العدو القريب والعدو البعيد قد احتلت مساحة واسعة داخل التيارات الجهادية، وبخاصة في المرحلة الأخيرة، بعد أن تبني المستوى الأعلى في التنظير السياسي لدى القاعدة، أيمن الظواهري في كتابه (فرسان تحت راية النبي) فكرة (الحركة الجهادية العالمية) والتركيز على ضرب العدو البعيد (الولايات المتحدة الأمريكية)”.
العلاقة بين أمريكا وتنظيم القاعدة تختلط فيها خيوط متشابكة، فالوقائع تؤكد أن الصراع بين الطرفين يعود إلى مرحلة ما بعد الخروج السوفييتي من أفغانستان. وبذلك ينتهي شهر العسل السياسي الاستخباري والعسكري بين فصائل المجاهدين من جهة، وبين الولايات المتحدة والمخابرات الباكستانية من جهة ثانية؛ وتأكيدا لهذاً الارتباط بين القاعدة وأمريكا، ينقل فهمي هويدي في كتابه (طالبان جند الله في المعركة الغلط) عن الجنرال حميد جول، الرئيس الأسبق للاستخبارات الباكستانية، “إن سياسة بلاده في أفغانستان تديرها المخابرات الأمريكية، وأن حركة طالبان زرعت زرعاً في أفغانستان”، يعلق هويدي بالقول: إن شهادة من هذا القبيل (قالها في ندوة معهد الدراسات السياسية بإسلام آباد في 18/10/1995م) لا يمكن تجاهلها، بل وينبغي أن تؤخذ على محمل الجد. وأيضاً حين تحدثت مجلة (نيوزويك) في أحد أعدادها الصادرة في شهر سبتمبر عام 1997م، عن المساعدات التي قدمتها المخابرات المركزية إلى حركة طالبان من خلال الجيش الباكستاني، لتشجيع الحركة بعد ظهورها إلى العلن في أواخر عام 1994م، فإن ذلك ينبغي أن يوضع في الحسبان”. (فهمي هويدي, طالبان جند الله في المعركة الغلط, ص 99)
من خلال هذا التحالف بين المخابرات الباكستانية والأمريكية من جهة، وبين طالبان من جهة أخرى، يؤكد أبو مصعب السوري، دور المخابرات الباكستانية في “ترتيب الأحزاب الجهادية، والإشراف على تشكيل وتوزيع المساعدات المالية والسلاح بينها, وبتقديم الخدمات (اللوجستية) ومختلف أنواع الدعم الميداني”. أما عن الدور الأمريكي فيؤكد أنه “يتوقف في حدود أعطائهم الضوء الأخضر (لأزلامهم) من حكام بلاد العرب والمسلمين بأن يسمحوا للشباب المجاهدين بممارستهم حقهم الطبيعي وأوامر دينهم بأن يتوجهوا إلى أفغانستان. وأن تتركهم مخابرات تلك البلاد المجرمة في حال سبيلهم, ولا تعترضهم وهم يذهبون إلى أداء الفريضة الشرعية”. (أبو مصعب السوري، دعوة المقاومة الإسلامية العالمية، ص 705).
بعد فك الارتباط بين القاعدة وأمريكا، تبدت أول الصدمات فوق أرض الصومال عام 1994م، حيث تمكن تنظيم القاعدة من قتل 18 أمريكياً، بالتعاون مع حركات المقاومة الصومالية الأخرى، وهو الأمر الذي أدى إلى انسحاب القوات الأمريكية ثم الدولية من الصومال.
تنظيم القاعدة في اليمن
منذ بداية الثمانينيات، سجل مئات من اليمنيين أنفسهم للذهاب إلى أفغانستان طلباً للشهادة، فذهب الكثير منهم تحت سمع وبصر الدولة التي كانت تشجع الشباب اليمنيين للانخراط في صفوف المجاهدين ... كان هذا في الشمال؛ أما في جنوبي البلاد بدا الوضع مختلفاً، فالحكومة هناك والتي كان يقودها الحزب الاشتراكي اليمني الموالي لموسكو، كانت ترفض فكرة تشجيع شبابها للجهاد في أفغانستان، وعلى الرغم من هذا السياج، الذي فرضته الدولة في الجنوب على شبابها للالتحاق في صفوف المجاهدين، إلا أن العشرات منهم استطاع أن يفر من الجنوب إلى شمالي البلاد، ويلتحق بصفوف المجاهدين في أفغانستان، ثم بعد ذلك بدأت تتشكل خلايا للجهاد اليمني على الأراضي الأفغانية، كان من أبرز قادته (طارق الفضلي)، نجل ناصر الفضلي، آخر سلاطين قبائل المراقشة.
خلال الجهاد الأفغاني ضد الروس، حرص أسامة بن لادين على تكوين مجموعة منظمة حوله، ركز فيها على العناصر الجهادية من جزيرة العرب، ولاسيما من السعودية واليمن ... وفي التسعينيات كانت معطيات التحرك الجهادي ضد الحكم الشيوعي في اليمن الجنوبي قبل الوحدة جاهزة. (أبو مصعب السوري، دعوة المقاومة الإسلامية العالمية، ص 774).
العلاقة بين النظام اليمني السابق وتنظيم القاعدة
بدأت تتبلور فكرة نقل الجهاد إلى اليمن لإسقاط الحزب الاشتراكي لدى هؤلاء الشباب في أفغانستان، باعتراف الفضلي نفسه، الذي قال إن صورة الوضع في أفغانستان كانت تتطابق تماماً مع ما هو موجود في جنوبي اليمن، فالحكم _ على حد تعبيره _ كان شيوعياً والداعم له كان سوفيتياً، إلا أن الوقت لم يسعف الفضلي ورفاقه في تنفيذ مخططهم، إذ داهمتهم أحداث انهيار الاتحاد السوفيتي، ثم تقارب دولتي اليمن وإعلانهما في دولة واحدة عام 1990م. (وائل عزيز على صفحته الشخصية في الانترنت). ونتيجة لذلك تبنى بعض الشباب المجاهدين بعض الأعمال الإرهابية والاغتيالات، لبعض قادة الحزب الاشتراكي الذين خططوا للوحدة، وفقاً لأبي مصعب السوري. (دعوة المقاومة الإسلامية العالمية، ص 776)، و”التي تمت بموافقة النظام أو دعمه”. (ستيفن داي، التحدي السياسي للحراك الجنوبي في اليمن، سلسلة أوراق كارنيغي، العدد (108)، ص 12).
من هنا تبرز إشكالية علاقة النظام اليمني السابق مع تنظيم القاعدة حيث تبدأ هذه العلاقة الغامضة مع عودة عدد كبير من اليمنيين الذين شاركوا في الجهاد ضد السوفييت في أفغانستان، ف “خلال ثمانينيات القرن الماضي، وبعد انتهاء الاحتلال السوفييتي، شجّعت الحكومة اليمنية مواطنيها على العودة، واستقطبت الكثير منهم، وأدمجتهم في الأجهزة الأمنية المختلفة للدولة، كما سمحت أيضاً لقدامى المحاربين الأجانب بالاستقرار في اليمن”. (كريستوفر بوتشيك، اليمن كيف يمكن تجنّب الانهيار المطّرد؟، سلسلة أوراق كارنيغي، العدد (102)، ص 16).
ومن لحظة عودة أسامة بن لادين إلى أفغانستان، (أواسط 1996م)، بدأ الشباب المجاهدون من اليمن ينضمون إلى الشوط الثاني للأفغان العرب في أفغانستان، “عبر عناصر جعلها ابن لادن مسؤولة عن تجميعهم، وتسهيل إجراءات سفرهم إلى أفغانستان، وقد عُرفت بعض البيوت في بعض المدن اليمنية ب(بيوت الشباب), حيث يجتمع فيها الشباب الراغبون في السفر إلى الجهاد, أو القادمون من أفغانستان؛ ولم يكن نشاط تلك البيوت بخافٍ عن أعين الأجهزة الأمنية, التي كانت ترصد حركتها دون التعرض لها بسوء”. (سعيد علي عبيد, تنظيم القاعدة النشأة, الخلفية الفكرية, الامتداد, ص 293).
وخلال الأعوام من منصف 2003م وحتى نهاية 2005م، شهدت اليمن ما يمكن تسميته ب (فترة تهدئة) على جبهة الإرهاب، إذا لم تُسجل خلال تلك الفترة أيه عملية مسلحة لتنظيم القاعدة، ضد أهداف محلية أو غربية في اليمن، لأن البلاد دخلت على جبهة صراع جديدة في مناطق صعده. ويذهب بعض المراقبين إلى القول: إن السلطات كانت قد نجحت خلال فترة التهدئة تلك عبر اتصالاتها الخاصة مع أمراء الجماعات الجهادية، من إبرام نوع من الهدنة، أو التفاهم مع تلك الجماعات، لتتفرغ لمشاكلها المستجدة مع تنظيم الحوثي على جبهة صعده. (التقرير الاستراتيجي اليمني 2008م، اليمن وظاهرة الإرهاب. ص 157).
في الثالث من فبراير 2006م تمكن عدد من قادة وعناصر القاعدة (23عنصراً) على رأسهم (ناصر الوحيشي، جمال البدوي، جبر البنا، فواز الربيعي، قاسم الريمي، حمزة القعيطي) من الهروب من سجن الأمن السياسي بصنعاء، عبر نفق قاموا بحفره من داخل السجن إلى مسجد مجاور؛ أثارت هذه العملية الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام، بالنظر إلى حالة الغموض التي اكتنفت علاقة السلطة بالقاعدة، وبسبب ما قيل عن الأدوات المستخدمة في عملية الحفر، والتي كانت عبارة عن ملاعق وأطباق الطعام، وهو ما عزز فرضية التواطؤ الرسمي لدى البعض. وقد تساءل أعضاء في الكونجرس الأمريكي، في عدم اتخاذ إدارة الرئيس بوش قراراً وعقوبة حاسمة تجاه حكومة صنعاء، التي فر من سجونها أخطر المتهمين، واعتبر بعض الكتاب الأمريكيين، أن هناك أشخاصاً مؤثرين في مواقع جيدة في اليمن، هم من يساعد ويحرض. (التقرير الاستراتيجي اليمني 2008م، اليمن وظاهرة الإرهاب. ص 158).
لكن ثمة تفسير محتمل لعملية الهروب تلك، وهو أنها كانت انعكاساً لحالة التراجع الفتور في العلاقات اليمنية الأمريكية التي سادت آنذاك، والتي من الواضح أنها عانت من تدهور وانحسار كبيرين، نتيجة لفقدان عوامل الثقة بين الجانبين، وما يعزز هذا الرأي أنه وفي أثناء زيارة الرئيس السابق صالح لواشنطن في نوفمبر 2005م، تلقى الرئيس اليمني فيها قرار الإدارة الأمريكية، بحرمان اليمن من المساعدات التي يقدمها صندوق الألفية الأمريكي، وكان ذلك تعبيراً قاسياً عن استياء الجانب الأمريكي من نظام الرئيس صالح، ولم يقتصر استياء الإدارة الأمريكية عند هذا الحد، بل اتخذت خطوة أخطر من ذلك حيث سمحت لأول مرة منذ حرب 1994م لفريق من المعارضة الجنوبية اليمنية في أوروبا بالدخول إلى أمريكا، ووضع ملف القضية الجنوبية على مكاتب المسئولين. كما حقق النظام مكاسب أخرى من وراء العملية، إذ كانت الحادثة بمثابة ذريعة مفتعلة لتبرير (تدشين جهاز الأمن القومي)، ومنحه الكثير من الامتيازات والاختصاصات، ذات الطابع السيادي ... فهي بمثابة الهدية التي منحت جهاز الأمن القومي الفرصة الحقيقة لتجسيد دور (البديل الأكثر أمناً) لجهاز الأمن السياسي الذي باتت تطارده اتهامات الاختراق والترهل والخروج عن نطاق الجاهزية وعدم القدرة على القيام بمهمته كسياج أمني لسيادة الجمهورية اليمنية.
ومع نهاية العام 2009م، وخلال العام 2010م، برز تنظيم القاعدة بقوة، حينها حاول نظام الرئيس السابق صالح باستنساخ التجربة العراقية المتمثلة في تشكيل (الصحوات) الشعبية لمحاربة التنظيم، وعرض على الأمريكان هذه الفكرة بغية تمويلها، وبدأ التنسيق لتشكيل هذه الصحوات في محافظة شبوة، غير أن التجربة فشلت لأن التنظيم لم يكن متمركزاً في شبوة فقط، وإنما كان ينقل مسرح عملياته من محافظة إلى أخرى. والزيادة التي وافق عليها (غيتس) تصل إلى 150 مليون دولار للسنة المالية 2010م صعوداً من 67 مليون دولار في العام 2009م؛ أيضاً ما كشفته وثيقة صادرة عن وزارة الدفاع الأميركية، في 26 فبراير 2010م، من أن واشنطن قررت تزويد القوات اليمنية بمروحيات جديدة ومعدات نقل وخدمات تدريب، لمواجهة تنظيم القاعدة. وفي يوليو 2011م، أوقفت الولايات المتحدة الدعم المالي الذي كانت تقدمه للنظام اليمني، المقدر بنحو 150 مليون دولار، ويرى مراقبون أن توقف الدعم جاء على خلفية تهاون نظام صالح في مواجهة تنظيم القاعدة في محافظة أبين واستخدام الدعم المالي والأسلحة المقدمة من الولايات المتحدة بغرض مكافحة الإرهاب، في شن حرب جنونية على المواطنين المساندين للثورة الشباب السلمية، في كل من: أرحب ونهم وتعز.
شهد العام 2010م مواجهات متفرقة، بين نظام صالح وتنظيم القاعدة، وخاصة في محافظة أبين، ولكن أثناء بطولة خليجي 20 في فبراير2010م، نقل تنظيم القاعدة _ فجأة _ مسرح عملياته إلى محافظتي الجوف وصعده، مستهدفاً الحوثيين، الذين كان نظام صالح حينها يخوض ضدهم حرباً عشوائية.
وفي أثناء الثورة الشعبية السلمية 2011م، عندما تمكنت القبائل المساندة لثورة الشباب في محافظة أبين من دحر تنظيم القاعدة، اغتاظ النظام السابق، وقام بقصف القبائل التي دحرت التنظيم بواسطة الطيران. وعندما دعت فرنسا إلى نقل السلطة في اليمن بشكل سلس وسلمي، اختُطِف ثلاثة مواطنون فرنسيون يعملون في مجال المساعدات الإنسانية في محافظة حضرموت. وعندما دعت بريطانيا علي صالح إلى تسليم السلطة إلى نائبه، قُتِل في اليوم التالي للدعوة، خبير بريطاني في عدن، بتفجير سيارته.
ليس ثمة خلاف على أن الحكومة اليمنية ومصالحها كانت مستهدَفة من قِبَلْ تنظيم القاعدة. “وفي مناقشات مع الأجانب، غالباً ما يشير كبار المسؤولين اليمنيين إلى أن بلدهم يكافح الإرهاب. بيد أن المسؤولين الأميركيين يعبّرون عن سخطهم إزاء تعاون اليمن المتقطّع على ما يبدو في شأن قضايا مكافحة الإرهاب. وتشعر واشنطن بالإحباط على وجه الخصوص، بسبب الاعتقاد بأن الإرهابيين المتهمين في اليمن يستفيدون من سياسة الحكومة القائمة على (أمسك وأطلق) لأن عدداً من المشتبه بهم البارزين إما أُطلق سراحهم أو هربوا من السجن في اليمن، ويُزعم أن ذلك تم في بعض الأحيان بمساعدة الأجهزة الأمنية”. (كريستوفر بوتشيك، اليمن كيف يمكن تجنّب الانهيار المطّرد؟، سلسلة أوراق كارنيغي، العدد (102)، ص 19).
وفي خضم هذه التحليلات لا يُخفي بعض شباب القاعدة حقيقة علاقتهم بالسلطة، والدور الذي لعبوه في خدمة أهدافها السياسية، أكد هذه العلاقة أحد أبناء التنظيم “في حلقة نقاش نظمها واستضافها مركز دراسات المستقبل، في مارس 2008م، وكرست للحديث عن تنظيم القاعدة في اليمن، أدلى أحد المجاهدين القدامى (سراج الدين اليماني) بشهادته قائلاً: بأن تنظيم الجهاد في اليمن قام على أكتاف الدولة، وجرى استكمال تدريب الأفراد الذين لم يتدربوا في أفغانستان، وزاد أن التنظيم الجهادي تواجد في الجوف ومأرب والمخا ولحج وأبين وتعز، وكان لديه معسكرات لصناعة المتفجرات في المخا، واستطرد أن اليمن كانت حاضنة لأبرز رموز القاعدة من المجاهدين العرب النشطاء، ومنهم خالد الإسلامبولي (أبو إسلام)، الذي كان يقدم الكثير من الدعم للمجاهدين في اليمن، وأشار إلى ارتباط عناصر القاعدة بالمسئولين في السلطة، وتسهيلهم لحركة سفر المجاهدين، ومنحهم الجوازات المطلوبة، وأوضح أن بعض العمليات التي تقوم بها القاعدة يُقصد بها توجيه رسائل لأمريكا”. وفي المقابل فأن السلطة تربط علاقتها مع هؤلاء بقضية إصلاحهم، ومحاولة دمجهم بالمجتمع لدرء مخاطرهم. (التقرير الاستراتيجي اليمني 2008م، اليمن وظاهرة الإرهاب. ص 143)
تساؤلات معتبرة حول حادثة السبعين
لمعرفة المجرم الحقيقي صانع الحدث، لا بد من العودة إلى بديهيات قانون اكتشاف الجرائم، الذي يقول: (لمعرفة صانع الجرائم, ابحث عن المستفيد). فمن المستفيد من إعاقة العملية السياسية والانتقال السلمي للسلطة؟. من المستفيد من ارباك ولخط الأوراق والدخول في متاهات الحروب؟. من المستفيد من تشظي الوطن وانقساماته؟ من المستفيد من رؤية الرئيس الجديد (الجنوبي) على المنصة في أول عيد للوحدة اليمنية.
في طريق الحرب على القاعدة
الأسوأ من الإرهاب _ عند فهمي هويدي _ ألا نعرف كيف نتعامل معه بالكفاءة المطلوبة, بحيث نحاصره ولا يحاصرنا, ونهزمه ولا يهزمنا, (فهمي هويدي, حتى لا تكون فتنة, ص 252). فالحرب على القاعدة بُنيت منذ بداياتها على فرضيات خاطئة؛ فالعدو غير مرئي، وهذا ما يعني أن استخدام القوة فقط، أسلوب عقيم تماماً. (عبد الباري عطوان، القاعدة التنظيم السري، ص 326)، فالقوة _ كما يراها هتلر _ “لا تكفي للقضاء على فكرة متأصلة، بل لا بد من مواجهتها بفكرة مضادة”، ثم يتساءل في كتابه (كفاحي): “هل تتمكن القوة من القضاء على العقيدة؟ ورجعت إلى التاريخ استقرئه، وخرجت بالمبدأ الأساسي التالي: تصبح العقائد والمبادئ المرتكزة على الفلسفة بعد أن تبلغ مرحلة معينة أمتن وأقوى من أن يُقضى عليها بالقوة المادية، إلا إذا أبيد جميع أنصارها ومؤيديها من الوجود، وهذا يؤدي إلى الإطاحة بالدولة، وهكذا فإن كل حركة اضطهاد لا ترتكز على أساس فكري تظهر للعالم وكأنها حركة ظالمة وتدفعهم إلى العطف على المضطهدين، ولذلك يزداد قوة الأنصار تبعاً لاتساع حركة الاضطهاد”. (أدولف هتلر، كفاحي، ص 27).
فالحلول الأمنية وحدها لن تقضي على تنظيم القاعدة، حسب عبدالباري عطوان، (القاعدة التنظيم السري، ص 326)، وإن كانت الدعوة إلى الحوار، تبدو أمراً بعيد المحال مع القاعدة، لكن “هذا لا يعني إقصاء هذا المفهوم إقصاءً تاماً” حسب عطوان. فالموضوع لا يقتصر على جلسات حوارية مع أعضاء التنظيم، بل يحتاج حسب عبدالحميد أبو سليمان إلى تضافر الجهود، وقيام المفكرين والمثقفين بواجبهم من خلال “التقرير الإسلامي الصحيح الواضح، في رفض مبدأ العنف في الحياة السياسية الإسلامية، وأن تبدأ الأمة برؤية فكرية واضحة، في العمل على إرساء التربية الشورية أولاً، وبدءاً بالأسرة وتثقيف الآباء بأسسها ووسائلها، وأن تلتزم الحركات الإصلاحية مبادئها، وأن تقيم مؤسساتها على أساسها، وأن تكون الوسائل السلمية في فكرها وممارساتها واضحة جلية، كأمر مبدئي في حركتها وتكوين كوادرها. إن فكر المفكر الإسلامي، وقناعة الأسرة المسلمة بهذا الفكر، والإحاطة بالوسائل المجسدة له، هو مفتاح تشغيل حركة التغيير والاستقرار، والإصلاح والإعمار في المجتمع المسلم، الذي لن يكون في المجتمع المسلم إصلاح ولا تغيير ولا إعمار دونه، مهما تكررت المحاولات وتجددت الجهود”. (عبد الحميد أبو سليمان، العنف وإدارة الصراع السياسي في الفكر الإسلامي بين المبدأ والخيار “رؤية إسلامية”، سلسلة قضايا الفكر الإسلامي (17)، ص 41).
وخلاصة الأمر، يمكن القول إن استيعاب المتغيرات الجديدة، التي طرأت على ظاهرتي العنف والإرهاب في اليمن، وفي المنطقة العربية والعالم، تعد من الأمور الأساسية لمواجهة هذه المشكلة، وإلا فمن الممكن، ارتكاب أخطاء قد تؤدي إلى زيادة حجم المشكلة لا الحد منها، فلم يعد ممكناً مواجهة هذه الظاهرة بنفس الوسائل القديمة، التي كان البعض يصر على استخدامها، وأثبتت التجربة العملية فشلها.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.