باكرين خرجوا إلى ساحة العروض في السبعين ليحتفلوا كما بقية إخوانهم من اليمنيين بطريقتهم الخاصة وزيّهم الخاص، ووقتهم الخاص أيضاً.. خرجوا ووطن يرتسم أمامهم ألقاً وفرحاً بعيد تجمعت فيه أجزاؤه المتشظية والمثخنة طعناً وحرائق! لم يشأ القاتل أن يكتمل فرحنا أو أن يمهلهم قليلاً حتى تراهم أمهاتهم وآباؤهم والوطن يستلقي على أذرعتهم وجباههم السمراء.. وزينت له نفسه المعربدة سوء فعله ولم يدر بفعل بلادته المغرقة جداً حد إخراجه من جنس بني الإنسان. إن من تضاعيف الموت تنبلج الحياة ويشع نورها وأساريرها في كل جنبات وأجزاء الوطن القادم من أعماق الماضي النائي، بعد أن وأد الفتنة واغتسل منها ملايين المرات. في روحه من الخبث والدناءة ما يكفي لتبرير فعلته واتهام آخرين، وأنّى لمثله أن يخجل أو من ربه يخاف! من يقتل إنساناً واحداً تهن عليه دماء البشرية كلها، كيف وقد غدا عارياً عن معنى إنسانية الإنسان.. يتنفس البارود ويشتم روائح الحرائق وأدخنتها والدماء فُلاً وياسمين، يلغ في الخطايا والآثام، منكوس الفطرة، بليد الإحساس، لكأنه قد أخرج من جاحم فوّار. اتشح الوطن بالسواد ونعقت البوم في روحه المتمردة، أما نحن فغردت الحياة في جنباتنا وصدحت بلابلها في أرواحنا وزدنا احتمالاً فوق احتمالاتنا، لأننا نعلم أن فعلاً كهذا لا يمكن إلا أن يكون إعلاناً سافراً عن الهزيمة والنكوص لأصحابه في حين ذهب أولئك القناديل إلى بارئهم، وهم الآن يستعدون لتوجيه السؤال الكبير: يارب سل هذا لمَ قتلنا!؟ بعد أن كانوا سكبوا دمهم الغزير رغماً عنهم في جسد الوطن ولتعب السنين الجائرة. في كل تحقيقات العالم يُنظر إلى أية جريمة من هذا النوع إلى أكبر المستفيدين، إذ لا يمكن لمنتصر أن يقوم بمثل هذا العمل الذاهب بعيداً في الخسة والنذالة والجبن، وإذاً لا مناص من توجيه أصابع الاتهام إلى الخاسر الأكبر من التئام جراح الوطن ودماميله المتقرحة. ربما قدرٌ علينا أن تستمر جراح الوطن نازفة وتتسع أعمال القتل والخراب فيه حتى ليتحول إلى مأتم كبير، كمقدمة وإرهاصات لمرحلة جديدة خالية من دوامات العنف ولصوص قوت الشعب وأحلامه في عيش هنيء وحياة كريمة، لأن التحولات التاريخية على مستوى الأمة تسبقها أعاصير وارتدادات عنيفة تفوق كل الاحتمالات..ربما!!