“ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول، وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف... “تنسب هذه العبارة للإمام الشهيد حسن البنا وتكشف فيما تكشف عن الحكمة والعمق والخبرات المتراكمة للرجل الذي خبر الحياة وعرف الكثير من أسرارها وظواهرها.. على أن العبارة وإن صدرت من رجل قد يختلف معه البعض أيديولوجيا تمتلك من العمق والمنطق الصحيح والراسخ ما يجعلها مؤهلة لأن تكون مصباحاً مشعاً لأي إنسان مهما كان توجهه أو مذهبه، لا بل دينه، ومن ذا الذي يرضى لنزوات عواطفه أن تنساح لسبيلها بدون كابح العقل أو يكون جافاً في تفكيره إلى درجة مغادرة الحس والشعور!؟ نصاب بالأسى ممزوجا بشيء من الدهشة ونحن نرى بعض نشطاء ما بات يعرف بالحراك الجنوبي وهم ينساقون وراء عواطفهم الجامحة وغير المنضبطة بكابح العقل حين يُحمّلون الوحدة كل أخطاء النخب والساسة في طرفي المعادلة السياسية في البلد، فيذهبون إلى حد المطالبة بفك الارتباط .. أزيد من ذلك يصل الأمر بالبعض إلى حد الانسلاخ والتبرؤ من الهوية في خصومة شديدة مع الذات وحقائق الجغرافيا والتاريخ. أجل! هناك أخطاء من الشجاعة والمروءة الاعتراف بها، هناك مظالم، هناك من تعامل مع جنوب الوطن بوصفه منطقة فيد للفاتحين الكبار؛ بمن فيهم بعض المنتمين لهذه المناطق الذين امتلكوا أراضي على مد البصر مساحة، وتنو بحملها الخزانات قيمة؛ على أن كل ذلك لا يبرر بحال دعوات البعض لفك الارتباط ورفع السلاح في وجوه جزء من اليمنيين كبير .. حسناً ماذنب المواطن اليمني الشمالي الضارب والكادح في أرض جنوب الوطن وراء لقمة العيش وتوفير الحاجيات من الأشياء لمن يعول؟ لأنه من أبناء شمال الوطن يعيش تحت التهديد بالقتل ويُغلَق محله وتصادر ممتلكاته؟! هل كان على هؤلاء أن يحملوا كل هذا العناء، وكل هذا الخوف الرابض في قلوبهم؛ لأنهم فقط من أبناء الشمال!؟ يساورنا الكثير من الشك والارتياب في أن من يقف وراء كل هذا يطالب بإعادة الحقوق لأصحابها أو الدفاع عن القضية الجنوبية، ولكن ألا يوجد وراء هؤلاء طر ف آخر يُزجي الأحقاد ويُغذي النعرات العصبوية والعشائرية!؟ وما مصلحته في ذلك!؟ والإجابة عن سؤال كهذا لا تحتاج إلى ذكاء شديد. وإجمالاً يمكن القول: إن الخاسرين من التئام جروح الوطن ودماميله المتقرحة وأعداء الأمن والاستقرار هم وحدهم دون غيرهم من ينفخ في النار ويزيدونها اشتعالاً؛ يفعلون ذلك نكاية بخصومهم وكيداً.. حتى وإن قامروا بمصلحة البلد وأبنائه! وأنى لمثل هؤلاء الصبية والطائشين أن يرف لهم جفن أو يهدأ لهم بال، أو يند لهم شعور جميل، وهم يرون الحياة بدأت تدب في شرايين هذا الوطن المنهك الذي أكلوا الأخضر منه واليابس. حسناً ما مطلب الحراك الجنوبي اليوم!؟ ومن هو خصمهم!؟ أليس مطلبهم هو رد الحقوق لأصحابها وإعادة من سرح منهم لوظائفهم والمشاركة في بناء الوطن، وأن السبب في ذلك عائلة أطاحت بأركانها الثورة الشبابية!؟ فعلام تحملون السلاح وأبواب الحوار هذه المرة مشرعة، ومن الممكن جداً الدخول فيه وإيجاد حل عادل لقضيتكم التي لها تجهدون، لاسيما وأن من يتربع أعلى هرم في السلطة اليوم هم شخصيات جنوبية!؟ في 1986م تقاتل اليمنيون في جزء من الوطن مهم، وسالت دماء غزيرة في واحدة من أبشع صور التصفية الجسدية التي شهدها الوطن على الهوية. ومن المؤكد أن السيناريو ربما يتكرر ثانية إن لم يتدارك العقلاء الأمر! ألم يختلف أصحاب القضية في كيفية التعاطي مع قضيتهم الآن، هل سيقبل بعض اليمنيين في جنوب الوطن بالبيض رئيساً لهم!؟ وهل سيتقبل أنصاره الآن إن كان له أنصار غيره رئيساً!؟ نحن اليمنيين نختلف وربما نتقاتل ولكن ما بيننا من قيم مشتركة، وما بيننا من تاريخ وجغرافيا وقرابة ودم ولغة ودين ما يكفي لإذابة الجليد بيننا ولعل البحتري الشاعر العباسي كان يعنينا حتى وهو يصف القبائل العربية في سلمها وحربها، وفي اختلافها ورجوعها لبعضها. إذا احتربت يوماً فسالت دماؤها تذكرت القربى فسالت دموعها. أجل! نحن اليمنيين مهما اختلفنا واشتد خصامنا وسالت دماؤنا سرعان ما تنهمر دموعنا وتتداعى لبعضنا أعضاؤنا! إننا في غير ما شك أو سوء في التقدير نقول إن الحوار الصادق والجاد هو المخرج الحقيقي لكل أزماتنا المستفحلة وأوجاعنا المنكوءة، فقط اصدقوا النوايا تصلوا. رابط المقال على الفيس بوك