لعل من أهداف الحوار الوطني القادم تجاوز القضايا الخلافية والمشاكل العالقة وترسيخ المصالحة الوطنية كسلوك اجتماعي وكذا وضع خارطة تشاركية لبناء يمن جديد يحقق تطلعات أبنائه في التغيير الأفضل, مجمل هذه الأهداف والطموحات لا يمكن تحقيقها إلا بحوار جاد وفاعل تشارك فيه كل القوى والفعاليات السياسية والحزبية, الشباب والفعاليات الشعبية والاجتماعية, الحراك الجنوبي, جماعة الحوثيين,كل المكونات والأطياف الموجودة داخل الوطن وخارجه, على أن تكون المشاركة بدافع الوصول إلى حلول واقعية وليس لمجرد المشاركة والحضور لإثبات التواجد أو من باب إسقاط الواجب ليس إلا.. ويبقى الحوار الوطني الواسع والشامل المخرج الوحيد القادر على تحقيق العدل والإنصاف وتحقيق طموحات اليمنيين وإعادة الاعتبار لهذا الوطن الغريب بين أبنائه. الحقيقة التي يجب أن يدركها الجميع أن عملية التهيئة للحوار الوطني الشامل في مثل هكذا ظروف لا زالت تلقي بظلالها على الواقع السياسي والاقتصادي والأمني اليمني, يصبح معها الحوار غير مجدٍ هذا إن لم يكن مستحيلاً, خاصة إذا ما أردنا حواراً عقلانياً وهادفاً يخرج البلد من عنق الزجاجة. هناك أطراف, للأسف لم تزل الغوغائية وحدها هي من تسيرها وتتربع على مفاهيمها وسلوكياتها دون أدنى شعور بأهمية الشروع في تهيئة البلد للانتقال إلى حالة الهدوء والسكينة والاستقرار, التي هي أساس أي حوار يلملم حالة الشتات والفوضى ,ويخفف من حالة الألم والجراحات التي ضربت بجذورها أعماق الفكر السلوكي اليمني خلال الفترة الماضية,وخاصة من أول يوم من الثورة التي أطاحت بالنظام السابق. الجميع يعلم أن الوصول إلى حالة الالتقاء والجلوس إلى طاولة الحوار يحتاج إلى تغليب المصلحة النفعية الضيقة التي ظلت ملازمة لبعض الأطراف طوال السنوات الماضية وعكست نفسها على مجمل الأوضاع,بل وعمدت إلى إحداث تشققات مخيفة في المجتمع اليمني وزادت على ذلك أنها لم تزل تراهن على أنها هي من تمتلك الحقيقة وحدها .. حقيقة الموقف والقرار .. والأمر الآخر نحن أمام وقائع غير عقلانية وليست جديرة بالاحترام, وقائع طفحت إلى الواقع لتزيد من تأزيم ما هو متأزم, هذه الأحداث تجلت في إمعان بعض القوى السياسية الحزبية في محاولة إيقاف عجلة التغيير الايجابي,وتوطين الأمن والاستقرار للمجتمع كما حدث في محافظة تعز, حين بدأ محافظ المحافظة شوقي هائل يضع مداميك الأمن والاستقرار وإرساء مفاهيم الحقوق والواجبات ومعالجة ما تدمر من بُنى تحتية وقبل ذلك ما تدمر من أخلاق بفعل الماضي الصراعي البائت, ولكن تفاجأ البعض بهجوم عنيف غير مبرر ضد المحافظ شوقي من قبل حلفاء كان ينتظر منهم الوقوف إلى جانب أهداف الثورة التغييرية لا الوقوف ضدها, خاصة إذا ما اعتبروا هؤلاء من الأطراف المشاركة في إنجاح الثورة.. هذه المواقف بمجملها تضع آلاف الأسئلة أمام الخطوات الموصلة للحوار الوطني, وماهية القرارات التي سيخرج بها المشاركون والذين يفترض أن يمثلوا جميع القوى والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع اليمني والقوى الأخرى المدعوة للحوار الوطني. وعلى تلك المواقف التي تزكم الأنوف من هذا الطرف أو ذاك, نجد أن الواقع السياسي والفكري اليمني هو في أشد الحاجة إلى شخصيات فكرية تكنوقراطية مخلصة للوطن والشعب وللثورة وشهدائها التي أرادوها الشباب أن تكون جسراً آمناً للعبور للمستقبل, وليس لأجندات حزبية تقليدية ( غير إصلاحية ) تعيد إنتاج الواقع المغضوب عليه.!!؟ نتمنى أن لا تضعنا تلك الممارسات ومعنا كل المخلصين من أبناء اليمن إلى ثورة ثانية وثالثة ضد الفكر النفعي الذي بدأ يجد طريقه خلسة إلى الواقع, بعد أن ظل مختبئاً وراء بياض لم يدم كثيراً, حتى بدت ظلمته تعكر أجواء الأمل وتقتل مشاعر الإحساس بوطن يسوده العدل والاستقرار, وطن تحترم فيه حقوق الإنسان في العيش الكريم واحترام للنظام والقانون,يمن جديد ومختلف تماما عما كان عليه طوال المراحل السابقة. في حقيقة الأمر نحن أحوج إلى فقدان الذات والتجرد من فكرة إلغاء الآخر ليبقى الوطن للكل وليس لفكر وجماعة بعينها, فهل يتدارك هؤلاء المسرفون بأفكارهم وسلوكهم العقيمة هذه الحقيقة ومن ثم التوجه لطاولة الحوار بدافع الانتماء لهذا الوطن وأمنه واستقراره وتطوره؟ وإلاّ فعلى الباغي ستدور الدوائر..!!