الانسياب.. التناغم.. الهارموني، كلها حقائق وجودية مستمدة من قوانين الطبيعة، ولأن الإنسان يستمد الرؤية الفنية من تلك القوانين، فلا مناص له من التأقلم معها والسير على دربها حتى يحقق الانسياب الفني والتناغم الصوتي والبصري الرديف للفن، ولعل الإشارة إلى كيفية نمو الأشجار ترينا نمط النمو الذي يبدو عفوياً لكنه محكوم بميزان صارم وبناء مُحكم، فالشجرة تنمو من أدنى لأعلى، وهذا قانون أساسي يحكم تفريعاتها وأغصانها، وإذا مال غصن إلى “الأدنى” فهذا الميلان ليس من طبيعة النمو الأصلي للغصن، بل لأنه ناء بما يحمل، فكان أن “دنا وتدلّى”، وعندما يقترب الدلو من منبع ماء في بئر، فإنه يدنو من الماء ويتدلّى بحساب معلوم، ذلك أن الدلو لا يتحرك اعتباطاً، بل إن القوة الممسكة بالحبل هي التي تقرر متى يتدلى وصولاً إلى المنبع، ومتى يرتفع. واللطيفة هنا واضحة؛ فالخير لا يأتي من فراغ الهوى والغطرسة، بل من المشقة والعمل والتواضع، والأشجار حال اعتمارها بالثمار تتدلى أغصانها. الشاهد الآخر نراه في تطبيق قوانين المنظور الهندسي على سلسلة من الأشجار والتي تلزمنا بأن نعتبر هذه الأشجار ضمن مصفوفة لمحل هندسي ضابطه العلاقة الراسية مع الأفق، وتصاغر المرئيات استناداً إلى البُعد الثالث الوهمي. نفس الحالة يمكن أن نراها في الأنهار التي تنساب من المنبع إلى مصائرها في البحار، فنهر النيل ينطلق من الجنوب إلى الشمال، ونهر الفرات ينطلق من الشمال إلى الجنوب، وإذا ما تحوّر الانحدار الأصلي عن طريق أفرع جديدة للنهر الكبير، فإن هذه الأفرع تظل محكومة بنفس قانون الانسياب من المنبع إلى المصب. [email protected]