وطار شَعر ابنتي... كانت تمسك المقص بيدها وخصلة كبيرة من شعرها باليد الأخرى، بدأت تقص شعرها خصلة... خصلة.. رأيتها، ولم أستطع أن أتماسك.. هل ما يقع على الأرض هو شعر ابنتي الجميل؟! والذي كانت تتباهى بجماله!! بيديها تتخلص منه!! رأتني بنظرة خائفة، ولكن تصميمها على الاستمرار فيما تفعله جعلني أسألها بهدوء: ماذا تفعلي يا هاجر؟.. خير!! ما حصل!! هل جُننتي؟! أجابت بهدوء: لا شيء يا أمي ضايقني شعري، لم أستطع أن أكمل المذاكرة! قلت في نفسي: أخففه قليلاً!! لم أستطع أن أرد.. هذه فترة امتحانات الثانوية العامة.. وهي تمر بحالة قلق وعصبية، دائماً منهكة.. تناثُر كتبها وأوراقها من حولها يحكيان عملاً متواصلاً. لسان حالي عندما أدخل للاطمئنان عليها موزع ما بين فخر باجتهاد ابنتي وتصميمها أن تنال المجموع الذي يؤهلها لتدخل التخصص الذي تحلم به “المحاماة”!! وبين قلب الأم خوفاً عليها وأنا أراها متعبة... متوترة.. قلقها يصحو وينام معها... تكاد لا تجلس على مائدة طعام حتى تهب واقفة... أصيح بها قائلة: (يا ابنتي اكملي طعامك) وسريعاً ترد: الحمد لله، شبعت يا أمي، وتندفع إلى غرفتها، والتي أصبحنا لا ندخلها إلا ونحن ملتزمون بكافة تعليماتها (لا صوت، لا حركة، لا كلام).. لا تكاد تزورنا ونحن نشاهد التلفزيون، ((عندما يحن علينا الجدعان ويمرون من تحت أبراج الكهرباء دون أن يعيروها اهتمامهم بخبطاتهم))، وتشترط أن نشاهد معها مسرحيتها (مدرسة المشاغبين) وتبدأ ضاحكة بمتابعة فنانها المفضل “عادل إمام” إلا وتقفز طائرة إلى غرفتها وكأنها قضت بيننا ساعات وساعات.. لا تكاد ترمي بجسدها المنهك، القلق.. تريحه قليلاً، إلا وتصحو فزعة من نومها وكأنها رأت كابوساً.. أصبحت وسادتها الكتاب، ودثارها الدفاتر والأقلام، وأحلامها: أسئلة الامتحان..!! يا إلهي ما هذا القلق كله؟! ورثيت لحالها.. وحال كل أبنائنا وبناتنا!! ورثيت لحال أسرهم وهم يعانون مع أبنائهم!! دائماً ما ترتبط الامتحانات بحالات قلق واكتئاب تصيب الطلاب والطالبات.. خوفاً من وحش قادم اسمه: “المجموع”. خوفنا وخوف أولادنا على مستقبلهم.. لماذا نخاف؟ هل نظام التعليم، مناهجنا وسنوات الدراسة الطويلة، تجعلنا نطمئن لمستقبل أبنائنا الذي نحلم به!! مستوى التعليم في اليمن متدهور... هي حقيقة لا ينكرها أحد!! مستوى التعليم في اليمن متدهور رغم استراتيجيات التعليم، رغم تحسين المناهج. وعندما نقول مستوى التعليم متدهوراً، نقصد من أعلى الهرم التعليمي وحتى أسفله (مسؤولين، إدارات تربوية، معلمين، طلاباً). نسبة الأمية... مازالت كما هي.. مرتفعة. حالات التسرب.. ارتفعت بل وامتدت للذكور. المناهج.. آهٍ منها حدّث ولا حرج (هزيلة وضعيفة). كيف يمكن أن نتوقع بأن يصبح أبناؤنا علماء، ومخترعين.. والتعليم نمطي، تقليدي، أغلب حصصه أدبية بحتة تعتمد على التكرار والحفظ السمج؟! من الظلم أن نقارن أنفسنا بدول العالم المتقدم وطلابنا مازالوا يسهرون تحت أضواء الشموع لكي يحفظوا أكبر كمية من المعلومات ليسردونها في ورقة الامتحان وينسونها بعد ساعة من امتحانهم!! من الظلم أن نقارن أنفسنا بدول العالم المتقدم وطلابهم خلال سنوات تعليمهم يحصلون على كم معرفي وعملي من البيت والمدرسة ويتنافسون في مجالات الإبداع؛ (الطفل لديهم من بداية ارتباطه في المدرسة ولديه مشروع علمي كل عام!!). من الظلم أن نقارن أنفسنا بدول العالم المتقدم وطلابنا لا يستطيعون أن يسألوا.. أو يناقشوا.. أو يبدعوا.. ممنوع.. ممنوع، حرام، عيب.. إلخ. من الظلم أن نقارن أنفسنا بدول العالم المتقدم وطلابهم أصبح المدى المعرفي لهم العالم عن طريق الإنترنت والتكنولوجيا الحديثة، ونحن مازال الكتاب المسكين الذي لم نستطع حتى الاتفاق على تطويره، (ولكم في كتاب قراءة الصف الأول شاهد). أما حال أبنائنا الذكور فلنا معهم حديث آخر. وعندما أنظر لحال ابنتي الجميلة.. وقلقها الدائم.. تخرج الزفرة والآه.. فقد طار شَعر ابنتي...! ودمتم،، أنتظر تجاربكم على : البريد الإلكتروني: ([email protected]) وصفحة الفيس بوك : (www.facebook.com/amal.yoyoyo)