البعض ممن تربى على التعبئة الحاقدة والعدوانية لايمكن أن يدرك المعاني والدلالات لمفهوم الحوار والنقد البناء, لأنه يؤمن بظرية أحادية غرست في ذهنه، وهي إما أن تكون معي وإلا فإنك ضدي, وهذا الاتجاه هو الذي يحدد حركة وسلوك ممن تربوا على هذه التعبئة العدوانية التي لاتؤمن بالرأي الآخر ولاتستطيع أن تفكر إلا بعقلية الغير وإملاءاته الهمجية. إن من يؤمنون بمثل هذه النظرية لايمكن أن يحققوا نجاحاً حقيقياً في الحياة السياسية القائمة على الحوار وتبادل الآراء وتقليبها بهدف الوصول إلى الأصوب والأمثل, لأن أمثال هؤلاء لم يتعودوا على قول“لا هذا غير صحيح” والذي تعودوا عليه هو الطاعة العمياء والمطلقة التي لاتقبل النقد والحوار والرأي مهما كان صواباً مقابل رأيهم الفاجر. إن الحياة السياسية تحتاج إلى العقول المنفتحة التي تستوعب الحياة ومستجداتها ولديها القدر الكافي من الإيمان بحق الآخرين في إبداء آرائهم والحوار والنقاش بهدف الإقناع القائم على الحجة الناصعة التي تقود الجميع إلى الخير والسلام, ولذلك تجد من يؤمنون بنظرية التبعية المطلقة وإلغاء عقله وشخصيته لايؤمنون مطلقاً بالحوار, لأنهم لايمتلكون القدرة على الحوار, أما القائمون على هذا المنهج الخطير فإنهم يدركون خطورة فعلهم ولكنهم يسخرون ممن ألغوا عقولهم وقاموا بغسيل أدمغتهم لتنفيذ أحقادهم ضد الآخرين. إن القبول بالوفاق الوطني يعني إنهاء الوضع المتأزم الذي كان قائماً قبل الوفاق وهذا يتطلب خطاباً دينياً وإعلامياً وسياسياً جديداً ينحاز إلى مفاهيم الوفاق الوطني وبرؤية وطنية تستوعب الكل بدون استثناء, ولكن بعض أطراف الوفاق مازال مصراً على رفض هذا المفهوم فتجده في تصرفاته وأقواله عدوانياً رافضاً للآخرين ولايؤمن بحق الآخرين في الشراكة لا في الحياة السياسية ولا في الحياة الإنسانية, وبالرغم من ذلك يتظاهر بأنه يقبل بالحوار, ولكنه يريد أن يفرض النظرية الأحادية من لم يكن معي فهو ضدي. إن الوفاق الوطني يعني السلام الاجتماعي والسياسي والوئام ورفض الإرهاب الفكري والاعتراف بكل المكونات السياسية وإزالة الحواجز والمتاريس الفكرية ضد الآخر التي ملأت النفوس والعقول لدى أصحاب النظرية الأحادية المطلقة, وهذا يتطلب جهداً كبيراً من كل فرقاء العمل السياسي من أجل يمن خال من الحقد والكراهية بإذن الله.