الدولة المدنية لايمكن أن تولد من رحم ثقافة قبلية لاتؤمن بالمدنية والتمدن،ولاتعترف بالقانون والمساواة الاجتماعية،وهذه الثقافة هي التي أعاقت كل التوجهات وكل فكرة من شأنها التأسيس لقيام دولة بمستويات أقل من الدولة المدنية. الحديث عن هذه الدولة ليس جديداً ولا مطلب المدنية كذلك،ولكن القبيلة بثقافتها ومشائخها كانت تقف لها بالمرصاد في كل مرة ومع كل فرصة كان آخرها مناسبة قيام الوحدة اليمنية كحدث يستوجب معه التحول من دولة القبيلة إلى الدولة المدنية غير أن هذه الفرصة التاريخية ذهبت كسابقاتها منذ قيام ثورة سبتمبر، والاستقلال من الاستعمار بعد ثورة أكتوبر.. كانت القبيلة ترى في الدولة المدنية خطراً يهدد ثقافتها ومصالحها وسيطرتها على ماهو قائم تحت مسمى دولة بالكيفية التي كانت عليها منذ قيام الثورة على الإمامة والاستعمار ازداد نفوذ القبيلة وتعاظمت سلطاتها داخل الدولة لأن ثقافة القبيلة وعقليتها سيطرت على مؤسسات الدولة ووسائل إعلامها وصار نموذج دولة القبيلة هو الأفضل ولعل الكثير من الناس تصالحوا مع هذه الدولة وأساليب إدارتها لأسباب كثيرة يأتي في مقدمتها عدم القدرة على فرض البديل المطلوب لأن القبيلة تسيطر على كل مقومات الدولة ومن الصعوبة بمكان تغيير ذلك،ورغم كل ما كان تنامى الوعي بأهمية الدولة المدنية وخرج هذا الوعي عن سيطرة القبيلة ووصل إلى ما وصل إليه اليوم. مفهوم الدولة المدنية يختلف حسب تقديري،فثمة من يرى في هذه الفكرة استباقاً لمطالب حقيقية تشكلت ولابد أن تأخذ مكانها في الواقع لأن الدولة التي كانت قائمة لن تستمر مالم يحدث التحول الحقيقي نحو المدنية،وهؤلاء هم الذين وقفوا ضد الدولة المدنية طيلة المراحل الماضية، وهم الذين استأثروا بمزايا الدولة القبلية،وهم الآن يتسابقون نحو دولة مدنية تحفظ لهم تلك المزايا وتصون مصالحهم ولا شيء من المدنية الحقيقية سوف يحضر على الواقع لأن المفاهيم الحقيقية للدولة المدنية لاتتفق مع ثقافة القبيلة وإرثها الذي يصعب التخلي عنه عند من آمنوا به وتربوا عليه واستفادوا من دولة كانت مفصلة على مقاس القبيلة والشيخ. هناك أسس لابد منها قبل الحديث عن الدولة المدنية وأولها ضرورة التخلي الفعلي عن ثقافة القبيلة والتمايز الطبقي والاجتماعي،وهو ما يعني سقوط هذه الثقافة كسلوك قبل كل شيء. منتهى الاستخفاف بالعقول أن يأتي أحدهم من وسط ثقافة قبلية أصولية متخلفة ليحاضر الناس عن المدنية ودولتها ولم تزل دماء الدولة المدنية المقتولة غير مرة طرية على “ جنيته” وثوبه،ومنتهى البلاهة أن يصدق الناس أن هذا وأمثاله تأتي منهم أو من خلالهم دولة مدنية أو أقل من ذلك، هم يعلمون بأن كل القوانين والأنظمة قُتلت “بجنابي” وأسلحة القبيلة وفي المقدمة هؤلاء الذين يخدعون الرأي العام.