مع اندلاع ثورة الشباب اليمني في جولة الجامعة، وأمام بوابتها الشامخة نصبوا خيامهم وحزموا أمتعتهم، وكل مايتعلق بالفارس العربي. لم تمض سوى أيام قلائل حتى أصبحت الجامعة وشارع الدائري أشبه بسوق عربي قديم كسوق عكاظ. فأصبحت الخيمة مكاناً مألوفاً وتستهويها أفئدة الناس وبيوتاً عامرة بالأحلام الوطنية. كانت الخيام بمثابة دروع منيعة وقلاع حصينة أمام المجازر . في تلك الخيمة الصغيرة شعرنا بنسيم الحرية وعبير التغيير، ومصدر الآمان والإطمئنان. الخيمة..مصدر الدفء والحنين في أوقات البرد القارس، والجو العليل عند اشتداد الحرارة وارتفاع أشعة الشمس. الخيام ملاذ الحالمين ومأوى المنضمين وقصور الأحرار وأبراج الشباب المطالب بالحرية ومتنزهات الثوار. بين أحضان الخيمة الصغيرة رسم الشباب الثائر مخططاتهم المستقبلية، وفي أركانها كتبوا ذكرياتهم الثورية. في تلك الخيمة البسيطة المتواضعة تشكلت نواة الثورة ورسمت الدولة المدنية الحديثة وأهداف الثورة الشبابية. في تلك الخيام أدى الثوار صلواتهم وشعائرهم الدينية وبصوت رجل واحد، أطلقوا دعاءهم لله سبحانه وتعالى أن ينصرهم ويحقق مطالبهم ويزلزل طاغيتهم. الخيام ..صوامع للعبادة ومجالس للسياسة، وميادين للتدريب والرياضة، ومراكز للإبداع والريادة، ومنابر للخطابة. في خيام الثورة ألقى الشعراء قصائدهم ، وصدح المنشدون بأصواتهم العذبة، وألقى الساسة بعلومهم الزاخرة، وامتزجت العلوم والفنون والثقافة والمهارات لتشكل قوة حقيقية للثورة اليمنية. الخيمة مدرسة لمن أراد أن يتعلم، وثقافة لمن أراد أن يرقى ويتطور، ومركزاً إعلامياً مفتوحاً. في تلك الخيمة البسيطة وعلى أصوات الإنفجارات والقذائف المتساقطة، وأزيز الرصاص الكثيف وصيحات الجرحى وتكبير الثوار تعاهد مجموعة من الشباب على الصمود وتحقيق مطالب الثورة وعلى هذا تفرقوا... وكان اللقاء في الخيمة نفسها ولكن جثث هامدة وأجساد بلا أروح !!! فلعل أرواحهم تلتقي في جنة عرضها السموات والأرض. في تلك الخيام التقى زملاء الماضي، ومن فرقتهم سبل العيش، واجتمع أطياف الشعب اليمني من الشمال والجنوب يجمعهم مطلب واحد.. الخيام رسخت مبدأ العدل والتساوي فالجميع يسكنون نفس الخيام وعلى صعيد واحد ويجمعهم هم واحد وهدف واحد ، فلا فرق بين غني وفقير ومسئول ومتسول. في الخيام المتواضعة وصل صوت الثورة إلى أصقاع الدنيا وأسماع العالم بعد أن عجزنا طويلاً عن توصيله عبر الصناديق الفارغة.. الخيام صالات مفتوحة، وقاعات متنوعة، فلا يطيب المقيل إلا في الخيمة، ولايحلى السمر إلا في الخيمة، ولاتنام قرير العين إلا في الخيمة، ولاتشعر بنكهة الثورة إلا في الخيمة..وكم من شخص هجر منزله الفاخر، وفراشه الوثير، وذهب إلى ساحة التغيير ينام في إحدى الخيام على الأرض، لكنه شعر بالنوم الهانئ رغم قسوة المكان وكثرة الزحام،وضجيج الثوار، وأصوات الشباب... فالسعادة لاتشترى بثمن والحرية لاتباع بالفلوس. ولن أخفيكم سراً فلايكاد يمر يوم دون أن أذهب إلى ساحة التغيير بصنعاء،حتى أصبح روتينياً وضمن أعمالي اليومية،فبعد المغرب مباشرةً من كل يوم انطلق لا إرادياً وبدون شعور نحو الساحة... وإذا كنت مسافراً أو حدث أمر طارئ فأعلموا أن ليلي سوف أقضيه مع الرازم”الكابوس” وهذا حال المدمنين! في الخيمة خلد الثوار ذكرياتهم ، وسطروا بطولاتهم وصمودهم ، وعلى حائط الخيمة كتبوا (سيذكر التاريخ أن هذه الخيام شيدت الأوطان)!!! #ناشط في ساحة التغيير -صنعاء [email protected]