هناك خلط شائع لدى الكثير من الادباء والشعراء في مفهوم الابداع والابتداع.. حتى اصبح المبدع العربي يعيش بين ازمتين.. ازمة قيم واخلاق.. وازمة ابداع وحداثة.. وظل المبدع العربي في عراك دائب بين هاتين الازمتين.. كل واحدة منهما تحاول طي الاخرى تحت مسمى الابداع والحداثة او القيم والاخلاق.. فالحراك الثقافي والادبي او الفكري له انماط متنوعة.. وطرائق متباينة حسب الحراك الزماني او المكاني او المعرفي.. فالعصر الذي نعيشه اصبح عبارة عن قرية كونية صغيرة بفضل ثورة المعلومات والاتصالات.. وهذا ما ادى الى ظهور بعض السلبيات في مفهوم الابداع اياً كان.. حتى لو اساء الى القيم الدينية او الانسانية او الموروث التاريخي والحضاري او الروحي للشعوب والامم.. وهنا تكمن الكارثة!!.. - التاريخ قديماً وحديثاً حافلٌ بمثل تلك الاحداث والمواقف والقضايا التي تحكي لنا صراع المبدعين والمفكرين مهما كانت ايديولوجياتهم واتجاهاتهم المذهبية او الدينية.. فهناك خيط رفيع بين الابداع والابتداع.. فالابداع نوع راقٍ من التجديد غير المألوف والسائد في حياة الناس.. ولكن عندما يخرج عن نطاق المألوف والاعراف القيمية والاخلاقية والانسانية يسمّى ابتداعاً.. وهنا تكمن خطورة الابداع ومدى اطلاق العنان له ليعيث في الارض الفساد باسم الابداع.. ولذلك كثير من الادباء والشعراء والعلماء والمفكرين جلدوا وسجنوا بسبب الابداع وخروجهم عن المألوف فكرياً ودينياً ومذهبياً، وفقهياً.. فأبو حيان التوحيدي مثلاً فرّ بجلده من سطوة السلطان بعد ان احرق معظم مجلداته ومخطوطاته ومؤلفاته خوفاً من القتل أو السجن.. وكذلك الامام ابوحنيفة مات كمداً وغيظاً وحسرةً في غياهب الزنازين بسبب آرائه المعارضة، ومواقفه الشجاعة في بعض المسائل الفقهية.. وكثير من أمثال هؤلاء لوحقوا وصودرت مؤلفاتهم بسبب آرائهم ومواقفهم المناهضة لما هو مألوف وسائد في ثقافة وموروث وحضارة تلك الشعوب.. - من هنا ندرك انه لم يكن غريباً علينا عندما نسمع عن مبدع من المبدعين ادبياً او شاعراً او عالماً او مفكراً لوحق او صودرت مؤلفاته او تم ايداعه السجن.. فالعصر الذي نعيشه اختلط فيه الحابل بالنابل.. وصار السواد فيه بياضاً.. والبياض سواداً.. فسمي العصر بعصر القوارع والقواطع.. لا عصر اليراع والابداع.. وللأسف الشديد بسبب الخلط بين الابداع والابتداع اصبح الابداع في عصرنا الراهن سُبة وجريمة شنعاء.. بل وصمة عار على جبين المبدعين.. وهكذا عندما تختلط الاوراق الصفراء بالحمراء.. او الاوراق السوداء بالبيضاء.. تنصب المشانق وتقام الحدود.. وتطبق النصوص.. ولكن عندما تنتهك الاعراض، وتداس المقدسات.. وتذبح الحرائر الشرائف نهاراً جهاراً على مرأى ومسمع من الانظمة الحاكمة عربيةً كانت أم اسلامية وشعوبها الحاضرة الغائبة.. فهذا امر مألوف.. وشأن آخر.. فالداخل مفقود.. والخارج مولود.. فالخروج عن دائرة المألوف جريمة خاصة في مجال الابداع الادبي او الفكري او الثقافي.. اما الدخول في دائرة تكميم الافواه.. وتقييد الايدي.. وجلد الادباء والشعراء والعلماء فهذا شأن آخر.. فياترى لمن يولد الادباء والشعراء والعلماء؟!.. لولا العلماء والادباء والشعراء لاصبحت الحياة جحيماً لا تُطاق.. ولظل السوقة والسذج والدهماء من الناس يتحكمون في مصائر البلاد والعباد.. وظلت اوضاعنا الحياتية قاتمة.. واجواؤنا الثقافية والفكرية مملوءة بالتشظي، ومنذرة بعواصف هوجاء.. وبعدها يسود الجهل والتجهيل والتضليل بين السواد الاعظم من الناس.. فامة لا تبدع تظل تعيش على هامش التاريخ الفكري والثقافي والحضاري.. - اضاءة شعرية: «متى تفهم يا سيدي؟!.. ايها المتخم في اماراتك.. فوق فراش لذاتك.. بعت القدس.. بعت الشام دفنت رفات امواتك.. تغوص الشام في دمها.. وأنت صريع شهواتك متى يستيقظ الانسان في ذاتك؟!.. متى يا سيدي تفهم؟!..»