لم أكن أعلم أني أعبر النهر وحدي حاسراً عن فجيعتي بي .. وطلاسم المدركات تتربّص ببراعم الأمل بجوف قلبي المُنهك بسين الأسئلة وحيرة الدروب . كنتُ أعتقدُ أنّ الفرائح ستتوقف عند منحنى اللوعة .. وتبثّ أريجها في ربوع بلادي معلنةً قفزتها الهائلة .. حيث وعدنا المنتظر . لكن ثقتي بالحلم جعلتني أعبر النهر مغمض العينين لأفتحهما عند نهاية الوجع حيث لا أحد . تقلتني إيماءة البذخ في اللاوعي حين أتسربل حزني وحيداً وشارداً أتلصص بقايا آهةٍ متكوّمةٍ على عنفوان لحظةٍ كانت حلم وطن .. فاستدارت بها الأعناق حيث شاءت . وحين ودعتُني أودعتُ أشيائي التي لم أشأ أن تكون إلا معكَ وبين يديك .. ونثرتُ أوجاع العمر على ممر الحنين إلى شرفات تجلياتك أيها الوطن الكسيح بخطواتهم المُثقلة بخيبة الأمل . وطفقتُ أستجمع قواي لأصل فقط عند منحنى اللوعة .. حيث بدأنا في مسيرة اللاجدوى من براثن المُرهَقين والمرهِقين .
وماذا بعدُ يا وتر كلّ الأغنيات ولحن كلّ الضلوع المستيقنة بمقامكَ العالي في مصافّ الرقيّ الأنبل .. وهم يجرفون أرصفة سكونكَ .. ويخصفون عناقيد ضياءك . أتتركهم حيث شاءوا ؟ أم يقين وعدكَ سيفصلُ دهشة الإياب عن تعثّر الخطى الذاهبة في حشرجة الأفول ! سأستجمعُ شتاتي وأمنحكَ ما تشاء من قوّة فيضكَ ونبضكَ وفرادة وعيكَ .. وألتحفُ ما تبقّى من دفء حبكَ الخالد في قلوب الصالحين من أبنائك . فأعد إليهم من شذّ عن طرقات خلاصك .. وامنح أرواحهم صلوات غفرانك .. علّهم يدركون خطيئة عقوقهم .. وبشاعة أحقادهم .. وهواجس مؤامراتهم .. وقل حينها أنكَ الأبقى من كل الترّهات . [email protected]