ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك!! يقول الدكتور السرجاني: “ وقد فقه كثير من الآباء المسلمين تلك الحقيقة(حقيقة دور الأسرة في تنشئة العلماء) فبذلوا جهدهم ليوفروا لأبنائهم تلك البنية الصالحة التي تساعدهم على أن يكونوا علماء...فكان منهم على سبيل المثال من يستقدم لأبنائه علماء مشهورين من يجمعون في الغالب بين أكثر من علم !!! نذكر هذا المقال: يرون أن محمد بن عبدالله بن طاهر ( حاكم بغداد أيام المتوكل العباسي، توفي 253ه) اختار لتعليم ابنه طاهر العالم النحوي اللغوي أحمد بن يحيى المعروف بثعلب، إمام الكوفيين في النحو واللغة، بل إن هذا الأب أفرد لذلك العالم الذي استقدمه لتعليم ابنه داراً في داره ليقيم فيها هو وتلميذه وكان يتغذى معه. هذا غير إجرائه له مرتباً معلوماً!! هذا كان في القرن الثالث الهجري ، أما في القرن الخامس عشر الهجري فإن الحاكم أو الرئيس أو من شئت من علية القوم، فإنه لا يخطر بباله مثل تلك الأمور المتخلفة!!!، إنما الذي يخطر ببالهم أن يخصص الواحد منهم غرفة كبيرة أو جناحاً أو قاعات واسعة لاستقبال المنافقين والمصفقين (والملجعين) من الموالعة الذين لا يكفون عن القيل والقال ولا يكفون عن الغيبة والنميمة في مجالسهم!!هل رأيتم كم هو الفرق شاسع بين الأمس البعيد واليوم القريب؟ وهذا عتبة بن أبي سفيان يأتي بمؤدب لولده ويقول له : ( بالله عليكم اسمعوا هذا الكلام معي لكي نتوارى خجلاً من أنفسنا ونحن لا نكف عن ترديد التشنيع على ماضينا المشرق التليد) يقول عتبة بن أبي سفيان لمؤدب ابنه: ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك،فإن عيونهم معقودة بك، فالحسن عندهم ما صنعت، والقبيح عندهم ما تركت،علمهم كتاب الله ولا تملهم فيكرهوا، ولا تدعهم منه فيهجروا، وروهم من الحديث أشرفه، ومن الشعر أعفه ، ولا تخرجهم من باب العلم إلى غيره حتى يحكموه، فإن ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم ( ياخطباء المساجد ، يا معشر الوعاظ: لماذا لا تتعلمون ممن كانوا أفضل منكم وأقرب منكم أو أكثر منكم قرباً للينابيع الصافية للإسلام) ؟؟ يستمر عتبة مخاطباً معلم أبنائه قائلاً: : تهددهم بي ، وأدبهم دوني، وكن لهم كالطبيب الرفيق الذي لا يعجل الدواء حتى يعرف الداء، وأمنعهم من محادثة النساء واشغلهم بسير الحكماء واستزدني بآدابهم أزدك ولا تتكلن على عذر مني، فقد أتكلم على كفاية منك ،سؤال: أين تعلم هذا الأب؟ وأي مجتمع أنجبه؟