بين الأمس واليوم في بداية هذا المقال، اسمحوا لي أن أعيد ما قاله عتبة بن أبي سفيان “في المقال السابق” لمؤدب ابنه: “ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك، فإن عيونهم معقودة بك، فالحسن عندهم ما صنعت، والقبيح عندهم ما تركت”. سمعت عن معلمين ومدرسين يتعاطون التدخين ويمضغون القات أمام تلاميذهم وطلابهم، أما بعض المعلمات والمدرسات، فإن الحياء يمنعني أن أتحدث بلسانهم أمام التلميذات والطالبات .. سمعت عن أب أخذ “قِصرته” أو “صَميلَه” وذهب إلى لجنة الامتحانات حيث ابنه يجلس للامتحان، فلما عجز أن يقنع رئيس اللجنة والمراقبين أن يدخلوا الإجابات جاهزة لابنه الذي ما كتب في ورقة الإجابة سطراً واحداً في انتظار “المدد” من أبيه، ما كان من الأب وهو في غمرة انفعاله إلا أن أهدى كل من اعترض طريقه “خبطة” بالصميل، فتطاير الكل من أمامه، فابتسم ابتسامة الانتصار وهو يفتل شواربه ويطبطب على ظهر ابنه، ثم يمضي خارجاً مهدداً ومتوعداً كل من يتسبب في عرقلة نجاح ابنه وبتفوق أيضاً.. هذا هو اليمن اليوم، فاكتموا بكاءكم حتى لا يشمت بنا الشامتون. يقول الإمام الطبري “310ه”: حفظت القرآن ولي سبع سنين، وصليت بالناس وأنا ابن ثماني سنين، وكتبت الحديث وأنا في التاسعة: والشاهد هنا كيف وصل “أبو جعفر محمد بن جرير الطبري” إلى هذه الرتبة العلمية والدرجة الرفيعة تلك؟! والإجابة في ذلك تكمن في قوله وهو يحكي دور والده: رأى لي أبي في النوم أنني بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعي مخلاة مملوءة بالأحجار، أنا أرمي بين يديه ، وقص رؤياه على المعبر. فقال له: إن ابنك إن كبر نصح في دينه، وذب عن شريعته .. فحرص أبي على معونتي على طلب العلم، وأنا حينئذ صبي صغير، هل رأيتم كيف ساعد ابنه؟! لا بالصميل ولا بإشهار السلاح ولا بفتل الشوارب ولا بالتهديد والوعيد،فهذه كلها أدوات الفاشلين في مجتمع جاهل ومتخلف، كلما ظن أنه في طريقه للنهوض والاستقامة جاء واحد من هؤلاء من أصحاب العقول المظلمة ليعوق النهوض والاستقامة! ألف الطبري ( جامع البيان في تأويل القرآن) والذي يقع في أكثر من عشرين جزءاً كبيراً، فيقول:” حدثتني نفسي به وأنا صبي” أي منذ أن شجعه والده، وأعانه على طلب العلم، وحببه له، حتى غدا رحمه الله شيخ المفسرين والمحدثين والمؤرخين والمجتهد العظيم،أما أمثال هؤلاء الآباء الذين يتواطؤون مع أبنائهم ويسهلون لهم عملية الغش في الامتحانات فإن الغراب لا يلد صقراً وإنما يلد غراباً مثله.