عندما يغيب دور الجهات المعنية بتنظيم الشؤون الصحية في الوطن ومنها تصنيف مستويات المستشفيات الخاصة إن جاز تسمية معظمها مستشفيات ، وعندما يغيب دور تلك الجهات في الإشراف والرقابة ، إضافة إلى انعدام وجود اللوائح المتعلقة بتحديد أسعار الخدمات العلاجية .. تصبح مهنة الطب التي تعد خدمة إنسانية تجارة لا يحكمها قانون ولا نظام ولا شعور إنساني بآلام الناس ، وبصعوبة ظروف معظمهم الحياتية. وحالة التردي هذه أطلقت أيادي المستغلين للعبث داخل تلك المستشفيات ، مما أسفر عن تكريس السلوك العشوائي في العديد من الشؤون الطبية .. وفي صدارتها المبالغة في أسعار الخدمات الطبية : الكشف الطبي وإجراء العمليات بمختلف أنواعها والفحوصات والتحاليل المعملية .. وكذا الإقامة بأي من تلك المستشفيات وفق التصنيف العشوائي لمستويات الإقامة ، وقياسها بعدد النجوم التي لا تقل غالباً عن خمسة نجوم ، تشبيهاً بالإقامة في الفنادق الفخمة. وفي الحقيقة إن المستويات المعنية بمعظم المستشفيات لا تزيد عن النجمة وربع النجمة .. ورغم ذلك فإن المستشفيات الخاصة تصنف نزلاءها حسب إمكانياتهم المادية ، شرط الدفع المسبق نظير الإقامة أو نظير تقديم أية خدمة طبية أو أية خدمة خاصة كانت أو عامة .. فمن سيدفع أكثر نصيبه أحد الأجنحة الخاصة كما يسميها أصحاب المستشفيات ، وتكلفة الجناح ما بين ( 200 – 400 ) دولار في اليوم الواحد تدفع كما هو واضح بالعملة الأجنبية ، ونزيل الجناح يحظى بأن يصاحبه أكثر من مرافق ، كما يحظى بالخدمة المستمرة. وهناك نظام الغرف الفردية ، والغرف المزدوجة ، أو الغرف الكبيرة التي يمكن أن تضم عدداً من المرضى ، ولكي تستوعبهم يُحشر بداخلها مجموعة أسرّة .. والنوع الأخير من الغرف غير مستحب ذكره لدى أصحاب المستشفيات نظراً لسعره الأقل مقارنة بأسعار الغرف الفاخرة. كل ذلك الجشع شكل عبئاً كبيراً على المواطن محدود الدخل وأثقل كاهله ، وعرضه للأضرار المادية والصحية الخطرة .. وهكذا أصبح ذلك العبث لعبة مسلية ومربحة لأرباب الاستغلال الذين يتلاعبون بأسعار الخدمات الطبية وغير الطبية وفقاً لأهدافهم دون رقيب أو حسيب ، ويبتزون المواطن المغلوب على أمره بأساليب ماكرة. وإمعاناً في الجشع والطمع يقوم أولئك بتشغيل بعض الأطباء في غير تخصصاتهم توفيراً للمال كما يؤكد ذلك بعض المتخصصين المطلعين على خبايا تلك المستشفيات التي تمارس هذا السلوك غير السوي بتلك الصورة .. حيث كما يبدو يتم استغلال قبول الطبيب غير المختص بالعمل في غير تخصصه كالأشعة التلفزيونية مقابل أجر زهيد ، مع أن ذلك يخل بكفاءة الخدمة الطبية ، ويؤثر على الدقة والجودة ، إضافة إلى أن حدوث هذا الخلل يشكل كارثة طبية بالغة الخطورة. والخلل الآخر الذي لا يمكن لأي مريض الاعتراض عليه أن الطبيب الذي يستقبله بأي من تلك المستشفيات - وبحسب الاتفاق مع أصحابها - يستلم المريض من البوابة ويقرر له كافة ( الكشوفات والفحوصات وقائمة طويلة من الأدوية ، والتحاليل اللازمة وغير اللازمة ) .. كما يقرر مكوثه بالمستشفى أطول فترة ممكنة دون حاجته إلى ذلك ، وربما لا يحتاج البتة إلى البقاء بالمستشفى ليوم واحد ، بل إن ذلك لغرض ابتزازه بقدر الإمكان مقابل الخدمة والإقامة .. ويحدث ذلك دون مراعاة لظروف المريض المادية وحالته الصحية ، ودون أي شعور بالرحمة. ولابد هنا أن نشير إلى تأكيد بعض الأطباء المتخصصين بأنه رغم الارتفاع الجنوني في أسعار الخدمات الطبية بتلك المستشفيات ، إلا أن معظمها يفتقر إلى وجود الإمكانيات والتجهيزات والأجهزة الطبية المتطورة التي يمكن أن تحقق تقديم أفضل خدمة .. بل إن معظم مبانيها غير صالحة كمبان نموذجية ، لأنها عبارة عن منازل أو عمارات سكنية تم تحويلها إلى مستشفيات بصورة عشوائية. فهل بعد كل هذا سيكون للجهات المختصة حضور فاعل لممارسة دورها الإشرافي والرقابي الذي غاب طويلاً رغم أن هذا الأمر صار محط شكوى كافة فئات المجتمع ، وللأسف لم يشكل لدى تلك الجهات أية أهمية ..؟! المنتظر من وزارة الصحة العامة والسكان التفاعل الإيجابي لمعالجة هذه المشكلة باعتبارها الجهة المعنية بتنظيم الشؤون الصحية .. ومعنية بحماية المواطن من الاستغلال والابتزاز ، بل ومن تعريض حياته أحياناً للخطر جراء ارتفاع أسعار الخدمات الطبية التي تفوق إمكاناته المادية. فلا يعقل حتى الآن ألا توجد لائحة أسعار موحدة عادلة في تقديم الخدمات الطبية لكافة الفئات المجتمعية ..!! والأسوأ عدم وجود لائحة توحد أسعار تلك الخدمات بين المستشفيات الحكومية في جميع محافظات الجمهورية ، فما بالنا بالمستشفيات الخاصة والأهلية ..!! وللأسف أن حمى ارتفاع أسعار الخدمات الطبية قد سرت إلى المستشفيات الحكومية التي أصبحت تنافس المستشفيات الخاصة في مزاد الأسعار بصورة واضحة وعلنية. وبالتالي فالحل هو وجود قانون ينظم السوق الحر للاستشفاء، يحمي المواطن من أضرار المزاد المتصاعد بصورة جنونية .. ويحقق العدالة في تقديم الخدمات الطبية لمختلف فئات المجتمع من خلال لائحة أسعار موحدة ، إلى جانب الاهتمام بإيجاد قانون للتأمين الصحي الذي يمكن من خلاله ضبط الأسعار وتوحيدها في المستشفيات الخاصة وفقاً لمعايير جودة الخدمات التي يجب أن تحددها الجهة المعنية .. وتلك هي القضية. [email protected]