«احترم نفسك» عبارة نسمعها كثيراً في وقتنا الحاضر ترد على ألسنة أفراد يتعرّضون إلى ممارسات أو أقوال أو تصرّفات خاطئة من أفراد آخرين, فعلى سبيل المثال قد تجد فتاة تمشي في طريقها إلى البيت أو الجامعة أو العمل، وإذا بشاب يُعاكسها ويُزعجها بكلامهِ، فنجدها تلتفتْ عليه وتقول لهُ بكل حزم: «احترم نفسك»! لأنهُ عندما يحترم نفسهُ يُدرك قيمتها ويحافظ على كرامتهِ ولا يقبل أن تُهان من قبل الآخرين، فبالتالي سيعرف كيف يحترم الآخرين وقيمتهم ويعرف حدودهُ ولا يتعداها أكثر، فهناك حدود وخطوط حمراء تخصّ البعض لا يجوز تخطيها من قبل البعض الآخر , لأنها تعتبر بمثابة الانتهاك والتعدّي على الحرية الشخصية وخصوصيتها وقدسيتها. إن الاحترام يكمن في النفوس البشرية ويعد حاجة نفسية يسعى الإنسان لإشباعها وسدها في جميع مناحي الحياة، وبالاحترام تنفتح لنا طرق ومجالات لإثبات وجودنا كعناصر فعّالة في المجتمع، ما أن نحترم ونوقر عقولنا وأفكارنا بتهذيب وتزكية نفوسنا، حتماً سينعكس الاحترام والتقدير على الآخرين، وكل فرد يقف عند حدوده ولا يتجاوزها، بالتنازل عن مبادئه مقابل المصالح الشخصية، التي كانت سبباً رئيسياً في فقدان التقدير والتوقير في ما بيننا، فالحياة تشبه الصدى، ما تقدمه لها يعود ويرجع إليك، وما تبذره وتزرعه تحصده، وما تشاهده في الآخرين هو ما يوجد لديك، وليس ما يوجد لديهم، ونظرتك لهم أنت المسؤول عنها ليس هم، إذا كنت تبحث عن أفضل الطرق التي تجلب لك تقدير واحترام الآخرين في جميع مجالات الحياة فينبغي عليك أن تبحث وتنقّب عن الخير ومؤشراته في كل شخص تربطك معه علاقة، وفي كل موقف تمر به. إن احترام الفرد لنفسه أو لذاته هو إحدى هذه الأخلاقيات والسلوكيات والقيم الراقية التي ترقى بالروح البشرية وتسمو بها، وهو شيءٌ أساسي ومفروض بين أي فئة عمرية من البشر، لاحترام بعضهم البعض، فالاحترام واجب مُستحق من كل إنسان في أي مُجتمع وفي أي موقف وعلاقة سواء كان في: احترام الزوج لزوجته ، الزميل لزميلتهِ، الأبناء لوالديهم، الجيران لبعضهم، الموظف لرئيسهِ، الطالب لمعلمهِ، واحترام الأكبر سناً، الأبسط حالاً.... ألخ. واحترام الآخرين يأتي أولاً من احترام الإنسان لذاتهِ ولإنسانيتهِ منذ نشأتهِ الأولى وصدقهِ مع نفسهِ، فعندما يتعود أفراد الأسرة على احترام بعضهم البعض، عندها نجد التطبيق الفعلي لاحترام الآخرين سواء كان في المدرسة أم الشارع أو الأماكن العامة وفي أي مرفق مهم في الحياة، لأنهم تعودا منذ صغرهم على احترام والديهم وأخوتهم وأقربائهم وكبار السن في عائلاتهم، وهذا التصرف ينطبع في ذاكرتهم وينطبع في تصرفاتهم ويُمارسونهُ مُستقبلاً مع الآخرين في حياتهم، وبذلك تتغير صورة الحياة لديهم منذ صغرهم ويطورونها ويعطونها الإطار الجميل الذي يشكلونهُ بأنفسهم من خلال سلوكهم المُهذب وتصرفهم السليم والإيجابي والمتوازن تجاه الآخرين. وهناك قاعدة ذهبية، وهي ركيزة أساسية في التعاملات البشرية، كل من تبنّاها واعتبرها أسلوب حياة، ظفر بتوقير وتبجيل الآخرين له التي تقول: «عامل الناس كما تحب أن يعاملوك» كثير منا يتعامل مع الآخرين وفقاً للطريقة التي نراهم بها، وهذه حقيقة لا تخفى على أحد منا، ولكن قد نغفل عن حقيقة أخرى، وهي أن نبحث عن الخير والقدرة في الآخرين حتى نعثر عليهما، وبمجرد عثورنا على الخير والقدرة في الشخص الآخر، مباشرة سنتعامل معه بشكل أفضل، وكوننا بحثنا عن الخير فهذا ينم عن إنسانيتنا. وهكذا فالاحترام إذاً قيمة معنوية وأخلاقية وأسلوب حضاري ومطلب وشعور سامٍ يتمنّى أن يتصف به كل إنسان لهُ ضمير ومبدأ وكلمة وقيم في حياتهِ ويُشار ويُقال لهُ: «هذا شخص مُحترم» لأنهُ عرف قدر نفسهِ وإنسانهِ وإنسانيتهِ وقدّرها وأعطاها الاحترام الذي تستحقهُ كنفس بشرية مُتمايزة ومُتواضعة ومُتوازنة نفسياً، وبالنتيجة من خلالها سيتعامل مع الآخرين بنفس القدر والاحترام وتزيد ترابطهم وتمنع الاحتكاك في علاقاتهم. وختاماً يمكن القول إنه عندما تحرص وتنتبه على كل ما ينطق به لسانك وعلى كل فعل تفعلهُ أو تقدمهُ تجاه الآخرين أو الآخر، عندها تنال الاحترام والرضا من نفسكَ أولاً وبعدها من الآخرين، لأنك عرفت قدر نفسك، ولأن هؤلاء يراقبون ويدققون في سلوكك وكلامك وفعلك وممارساتك، فعندما لا تنطبق أقوالك مع أفعالك ومع شخصك كإنسان، عندها يُفقد الثقة بك ويقل الاحترام وتكون أنتَ نفسكَ كمثل من انقسم على نفسهِ وعاش بشخصيتين مزدوجتين. فليكن إذاً لكل إنسان شخصهُ وشخصيتهِ التي يحترمها ويصونها ويطورها ويُقيمها من خلال تقييمهُ لجميع أفعالهِ وأقوالهِ وتصرفاتهِ من خلال ذاته أولاً ومن خلال الآخرين ثانياً، ليُدرك بعدها قيمة وقدرة الخالق في خلقهِ، وعندها أيضاً يُدرك قيمة نفسهِ ويعطيها الاحترام الذي تستحقهُ. واحرص دائماً أن تترك انطباعاً وأثراً أفضل وأجمل يُجمّل صورتك مقابل الآخر فيحترمك من خلالهِ، لأن كل إنسان بطبعهِ فنان يحمل ريشتهِ الخاصة بيدهِ وفكرهِ وأعمالهِ، ليجمل لوحتهِ بطريقتهِ وكيفما شاءَ وأرادَ. وحتى لا تسقط من عين نفسك، احترم نفسك... واثبت على أخلاقياتك وقيمك، واقرع جرس الضمير الداخلي دائماً، وفتش عن الخير والقدرة التي بداخلك بشكل مستمر، حتى لا تغريك مغريات الفاسدين، وتجرفك فيضانات السوء والشر، لتوقعك في وادي خسران نفسك ومن ثَم خسران بلدك. * أستاذ التسويق المساعد -جامعة تعز