الانسان اي انسان له كرامة و بالتالي فإن له عرضاً يجب ان يحترم. فالكرامة بالمفهوم النظري تعني ان الانسان اي انسان محترم. و يتجسد هذا الاحترام في احترام ذاته مهما كانت و مهما اتفق معه الاخرون او اختلفوا و مهما حبوا او كرهوا. و هذا يعني كذلك احترام خصوصيات ذاته أيا كانت. تنبع كرامة الانسان من حقيقة ان الله تعالى هو الذي خلق الانسان والله سبحانه و تعالى لا يخلق اي شيء عبثا ناهيك عن الانسان الذي خلقه الله وافتخر بذلك امام ملائكته والله لا يفتخر الا بشيء له قيمة وله خصائص مميزة. وعلى هذا الاساس فإن ما من انسان الا فيه منافع و لديه القدرة على اظهار افكار ومشاعر و بالتالي القيام بتصرفات تبهر العقول. وبالتالي فإن له كرامة مهما كانت خياراته. صحيح ان الانسان في نفس الوقت قد ينحرف وبالتالي قد تصدر منه أمور لا يقدر له ولا الاخرون لكن ذلك من المفترض ان لا يكون هو الاصل. وحتى في حال كون انسان ما لم يظهر منه ما يدل على سعيه لإظهار القيم التي مكنه الله من التمتع بها وربما يكون قد ظهر منه عكس ذلك تماما. لكن ذلك الشخص يجب ان يعامل بالاحترام الذي يستحقه كانسان. ويبرر ذلك ان هذا الانسان من الممكن ان يتغير ويتحسن. وبالتالي فإنه ما دام على قيد الحياة فإنه لا يأس منها. فعلى الانسان كل انسان ان لا يفقد أملاً في صحوة الضمير الانساني لديه او لدى غيره في اي لحظة من اللحظات. و على هذا الاساس فإنه ينبغي الاستمرار في توقع ظهور الخصائص البشرية الجيدة من كل البشر. ففي هذه الحالة يمكن الاعتراف بها حال حدوثها. و لا شك ان ذلك سيعمل على تشجيع الاخرين على اظهارها و بالتالي التخلي عن غير الجيدة. و هنا يمكن ان نلاحظ الفرق بين الكبر و الفخر والانتقام من جانب و بين الكرامة و العزة و الشرف والثقة بالنفس من جانب اخر. الكرامة هنا تعني اظهار الصفات الحميدة التي يتمتع بها الانسان و بالتالي فان ذلك يخلق لديه عزة و شرفاً وثقة بالنفس. ان ذلك مفيد عكس الكبر و متعلقاته. فالانسان الذي يصر ويظهر الصفات الحميدة فيما يفيد نفسه لأن ذلك يعبر عن نفس مطمئنة مستقرة صحيحة و ليست مريضة. و كذلك فإن قيامه بذلك لا يضر الاخرين بل في حقيقة الأمر فإن ذلك مفيد للآخرين. فالشهامة تعني نصرة المظلوم وانقاذ العاجز و مساعدة المحتاج. الثقة بالنفس تعاني الاقدام على مثل هذه الاعمال و التصرفات ففاقد الثقة قد يكون لديه نوايا حسنة لكن هذه النوايا تظل نوايا و لا تتحول الى اعمال مفيدة للبشر. الاعمال الصادرة من الكرامة هي في حقيقة الامر لها علاقة بالشكر على النعم و ليس التعالي على الاخرين. و بذلك فإنها تعني مشاركة الاخرين الخير و ليس اهانتهم او الانتقام منهم. الكرامة تزيد من الانتاجية والابداع و التسابق على العمل الصالح. اما الكبر فانه يقود الى الغرور و البحث عن امجاد غابرة و تضخيم الاعمال العادية. النمل 27 40 قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ. القمر 54 35 نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ. ان كرامة الانسان و بالتالي عرضه مرتبطة بالإنسان كانسان و بالتالي فإنها متشعبة و ممتدة الى كل الجوانب التي لها علاقة بالإنسان اي الى الجوانب الدينية والاجتماعية و الاقتصادية والسياسية والثقافية. لكن ينبغي التنبيه هنا ان حق كرامة يختلف في نفس الوقت عن حق الحياة و حق المال اللذين ناقشناهما سابقا. و ينتج هذا الاختلاف في حقيقة ان حق حماية الحياة له ظاهر و جانب باطن وان حق حماية المال له كذلك جانب ظاهر وجانب باطن. الحقوق الظاهرة و المرتبطة بكل من حق حماية الحياة وحق حماية المال قد ناقشنها تحت هذه العنوانين. اما الحقوق الباطنة فإننا سنناقشها تحت عنوان حق حماية العرض. فقد يكون الانسان حيا وبالتالي فانه يمكن الاستنتاج بأن حقه في الحياة محمية و مكفولة وكذلك فان الانسان قد تكون حاجاته الاساسية متوفرة و بالتالي فإنه يمكن القول بان ماله محمي و مكفول. لكن اذا حاولنا ان نرى الى خلفية ذلك فقد نصل الى استنتاج ان هذا الشخص مكفولة حقوقه فيما يخص حق الحياة و حق المال ولكن بدون كرامة او بدون عرض. و الأمثلة على ذلك كثيرة و لعل من اهمها من يتاجر بالمخدرات او بالجنس. و كذلك من يكون عضوا او متعاملا مع عصابات المافيا. و يمكن بالاضافة الى ذلك من يمارس الفساد بكل انواعه. الحج 22 18 أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ. اذن فإن مفهوم الكرامة و العرض ينبع اولا من الانسان نفسه. فالانسان الذي يستحي من القيام بأعمال معينة لانها في عرفه و في عرف الاخرين مخلة بالكرامة فإنه هو الذي يحدد كرامته و عرضه و في هذه الحالة فإن على الاخرين احترام ذلك. اما الشخص الذي لا يلقي للكرامة او العرض اي اعتبار فإنه في حقيقة الامر قد اهدر كرامته و عرضه. البقرة 130 وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ. البقرة 2 207 وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ. آل عمران 3 30 يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ. النساء 4 110 وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا. النساء 4 111 وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا. المائدة 5 30 فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ. الأنعام 6 54 وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. يوسف 12 23 وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ. يوسف 12 30 وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ. يوسف 12 32 قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ. الفتح 48 10 إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا. لكن ينبغي الاحتراس هنا لأنه لا تصادر كرامة اي انسان و بالتالي ينتهك عرضه تحت مبرر انه هو قد سمح بذلك او انه هو لم يهتم بذلك او انه قد اسقط ذلك. فإن ذلك في حال حدوثه سيسقط حق حماية العرض من اساسه و للجميع لان كل من يريد ان يهتك عرض امر ما فانه فقط سيعمل على نشر الاكاذيب والافتراءات التي تخدش من حيائه و التي تظهره وانه لا كرامة له و بالتالي لا عرض له. و من اجل منع حدوث مثل ذلك فإن أي عملية لانتهاك اي كرامة او عرض بحجة ان شخصا ما قد قام باعمال تخدش من ذلك و تبرر ذلك فانه لا بد و ان يتم ذلك من خلال القضاء و القانون. و لا شك ان ذلك يحتم وجود ادلة لا تقبل الطعن فيها حول ما ينسب الى ذلك الشخص من اعمال. النور 24 12 لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ. النور 24 13 لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ. النور 4 وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. النور 24 6 وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ. النور 24 13 لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ. النور 24 إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ..... يتبع