أ مام بقايا جداريات الثورة الفن في ثنائية الدين والتقدم يصر المتطرفون إلا أن يجعلوا الله عدواً للفن والأدب والإبداع ، وخصماً للمدنية والحرية والجمال ، بهذا الوعي الجاهلي قام متطرفون بتشويه جداريات الثورة في مدينة تعز، ومحو ملامح لوحات الفنان التشكيلي الكبير هاشم علي، وكأنها رجس من عمل الشيطان، واستشهدوا قرب فعلهم الزنيم، ببيت شعري يقول: إذا كان ترك الدين يعني تقدماً فيا نفس موتي قبل أن تتقدمي وبغض النظر عن (إذا) هذه ، لكن وجه الاستشهاد، وسياق الموقف والمناسبة ، يجعلان الدين في مواجهة عدائية مع الفن والإبداع ، وهي إساءة بالغة للدين، بل إن أسوأ الحاقدين على الدين والتقدم والحياة عموما ، لا يمكن أن يبلغ منها ما بلغه هؤلاء، بل لا يمكن أن يكونوا غير هؤلاء الذين يضعون الدين في ميدان المجابهة للتقدم ، واصمين الدين ضمناً بالقبح والتخلف الذميم والرجعية المقيتة ..!! بكل غباء، أو ذكاء يفرضون هذا التعارض الوهمي بين الدين والتقدم كحقيقة ،وحتمية كونية، ثم يخيّرون الشعوب بين التخلف (المقدس) الذين هم وصاته ، وبين التقدم الكافر الذي يهدد مصالحهم ، وهي ثنائية متهافتة، وليست حتمية ولا موضوعية، وسرعان ما يظهر تهافتهاً عفوياً أمام أي شعب سينحاز، وبكل قناعة ، بمجرد أن يمتلك القدر الكافي من الوعي، للاختيار بين قطبي ثنائية أخرى تتضمن خيار الإيمان التقدمي الحر ، في مقابل التخلف الكافر ووصاته. إنها ثنائية موضوعية تجعل التطرف والمتطرفين في الطرف الحقيقي من المعادلة ، بجانب الجهل والتخلف والكفر .. وتعني اندحار الجهل لصالح الوعي ، واندثار الإكراه لصالح الفضيلة ، وسقوط الوصاية لصالح الإيمان النقي ، والعلاقة المباشر بين المؤمن وبين الله. في وسط صحي حيوي كهذا ، يثمر الفن والحب والجمال ، وتنتج العبقرية والإبداع ، وتسود قيم الحرية والفضيلة ، ويثبت الواقع بحق أن الدين - على عكس ما يأفكون- ظاهرة تقدمية ، لا رجعية ، وأنه حيثما وجد الحق والحب والجمال ، والفن والعدل والحرية.. فثم وجه الله.