الجمال الذي كان يشدو بأغنية اللون الملحنة بقوس قزح ،ذلك الذي تعجز الأقلام عن وصفه ، ولا تشبع العيون من مرآه .. هناك في شارع الإبداع الذي التقى فيه كل محبي الجمال ، وعلى رأسهم الفنان هاشم علي ، هناك عبق الجمال الذي كسر حاجز الصمت ، و أشعل حب المشاركة ، وغنت له الريشة لفنان مبدع بحجم هاشم علي..كل هذا الجمال كان له عدو مختبئ في أقبية الحقد والقبح . جدارية هاشم علي التي أخذت (أسرة تعز ألوان الحياة) على عاتقها إظهارها في أجمل صورة ، تعبت ، وسهرت ، وأبدعت ، وشارك معها مواطنوان بكل أطيافهم ، وأتى لزيارتها كل من يفد إلى تعز من محافظات أخرى أو من خارج اليمن، وكتب عنها الكتّاب ، وصارت هدفاً للمصورين ، ومكاناً مميزاً لمن يريد التقاط صورة أمام الجمال والمبدع هاشم علي ، هذه الجدارية أتى من يغتال فرحة الناس بها ، ويعبر عن مدى تخلفه ، ليقول للعالم إن للجمال أعداء ، هم في الأصل أعداء للإنسانية ، للأرض ، للحب ، للألفة، للنشاط ، للون ، أعداء لتعز على وجه الخصوص التي يعمل كل من يحبها ليجعلها أجمل . من أشعل حقده ليطفىء تلك الجدارية التي رفرفت فيها ألوان الحب ، ما كان يعلم أنه أشعل روح النشاط في أسرة تعز ألوان الحياة كما سمعت منها ، وأشعل في كل نفوس محبي الجمال روحاً جديدة للاستنفار لإبداع جديد .والعبارات التي كتبت على الجدارية مثل : ( موتوا قهراً ) هي تعبير عن حقد شخصي أولاً ، وحقد على كل جميل ثانياً ،أما الدين الذي يحاولون الإساءة للجمال باسمه فهو منهم بريء ، فما كُتب يدعو للضحك على عقول الجهلة ( إذا كان ترك الدين يعني تقدماً فيا نفس موتي قبل أن تتقدمي) ....ولماذا يا ترى استاء المتدين من جدارية هاشم علي دوناً عن بقية الجداريات ؟ ولماذا لا يستاء المتدين من الإعلانات والعبارات البذيئة التي تكتب على بعض جدران الشوارع والمدارس وتسيء لأخلاقنا وقيمنا وديننا ؟ ولماذا لا يستاء من بعض الشوارع التي تظل المجاري فيها متفجرة أسابيع ، ولا يذهب ليكتب على جدرانها ( النظافة من الإيمان ) ، ولماذا لا يذهب إلى الأرضية البديلة للباعة المتجولين لسوق جولة القصر المجاورة للقمامة ، ويكتب هناك (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فمن لم يستطع فبلسانه ومن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) .... قال لي أحد الزملاء : أصبحت مقتنعاً أننا نحن اليمنيين متخلفون بالفطرة ، وأنا أقول له هناك من يريد أن نكون كذلك بدليل ما حدث لجدارية هاشم علي ، ولو كنا متخلفين ما كانت جدارية هاشم علي التي عبقت هناك بأريج لانهائي من جمال لا متناهٍ أبدعه فنان يمني في فضاءات الإحساس المنمق بالأرض ، بالإنسانية . لا أدري كيف نعتذر للجمال ، وبأي لغة ، لكنني أجد أن الريشة ومواصلة الإبداع ، ووقوفنا معاً ضد أعداء الجمال ومعاً من أجل تعز هو ربما شيء من الاعتذار للجمال الذي يسكن تعز بقلوب أبنائها وإصرارهم على أن تكون تعز أجمل .