قتل السفراء واقتحام السفارات ليس من اخلاقنا ولا من شيمنا ، فنحن لسنا دعاة فوضى ولامحرضين على ممارسة العنف ضد غير المسلمين . بل نحن أفراد ننتمي لأمة لم يعل مشروعها الحضاري ولم تنشر قيمها الاخلاقية ولم ترفرف راية عزها الا بدينها الاسلامي الحنيف . لذلك فالاسلام بالنسبة للشعوب العربية لايمثل مجرد معتقد ديني فقط بل هو هويتنا الانسانية والعالمية . وما ينبغي على غير المسلمين فهمه وادراكه هو ان للدين الاسلامي اهمية في حياة المسلمين اكثر من اهمية المسيحية لمعتنقيها واعمق من اهمية الديانة اليهودية للاسرائيليين . فأهمية الدين في حياتنا انه يعني وجودنا الحضاري بين الشعوب وهويتنا الأممية بين الأمم. لذلك تجدنا نعتز بديننا ونحتمي به ومنه نستمد وجودنا بغض النظر عن درجة قربنا أو بعدنا منه وبغض النظر عن تحقيق التزامنا بأوامره ونواهيه لكنه يشكل قيمة في الحياة اهم من قيمة الانجيل واجدى من اساطير التوراة . ومن واقع هذه الاهمية المرتبطة بالهوية كما اسلفنا نجد الانسان المسلم خصوصا العربي ينبري للدفاع عن دينه أكثر مما يدافع عن حقه في الحياة وعن مستقبل اولاده. ولاغرو ولا عجب في ذلك فالانسان العربي لم يكتسب هويته الانسانية إلا بالاسلام . والفيلم الامريكي الذي أثار موجات غضب وسخط عارمة ، لم يسئ فقط لشخص الرسول كما هو الظاهر من شعارات ردود الفعل ، بل تعمد باسلوب ممنهج ان يعري العرب والمسلمين من هويتهم الانسانية وقيمهم الاخلاقية ويقدمهم على انهم نفروا لنشر المعتقد الديني خارج جزيرة العرب بقيم الصحراء واخلاق العشائر المعزولة عن العالم بمختلف تفاعلاته الحضارية. والحقيقة ان في هذا التصوير سفها كبيرا وفيه نسف لوجود حضاري لأمة تقوم حضارتها على اساس ديني . لقد اغفل مخرج الفيلم او تجاهل ان الدين حضارة وان حضارة العرب انسانية بحكم تفاعلها الحيوي مع الحضارات السابقة واللاحقة باعتبار ان العصر الذي سادت فيه دولة الاسلام هو العصر الذهبي لتفاعل الحضارات الانسانية بمعزل عن مشاريع العنصرية والشعوبية البغيضة التي افلحت الدولة الاسلامية بإزالتها في عنفوان مجدها . ومع ذلك نجد الاسلام المنمذج في فيلم المسخ الامريكي اياه لاينتمي لعصور حضارية ولاينتج قيماً حضارية موثرة في حياة الانسان في مختلف اصقاع هذا العالم ، ليس هذا فحسب بل ان مخرج الفيلم وهو يتمادى مع أوهامه المريضة في البحث عن شهرة يصور الاسلام وكأنه معوق حضاري في حياة الشعوب والأمم التي ساد فيها . وفي ذلكم العمل السينمائي المتضخم ببلاهة منتجيه يقع المخرج في فخ نسف الحقائق المعرفية التي اثبتتها الدراسات التاريخية في المجتمعات الاسيوية والاروبية التي تشرفت بدخول الاسلام أراضيها. وأنا هنا لا أناقش مشاهد الفيلم بالتفصيل بل اقرأ ابعاد فكرته العامة . ولا أخفي القراء الكرام اني شاهدت غالبية المشاهد في الفيلم ، ليس حبا فيه ولا من باب الاطلاع ولكن شاهدته بدافع البحث عن مضمون العمل الفني باعتباره عملا سينمائيا كان اغلب ظني انه يحمل قيمة فنية أو يعبر عن مضمون فني . لكن للاسف الشديد لم اجد فيه سوى عرض سينمائي هزيل تبتعد مشاهده عن مضامين الفن السينمائي بقدرما تبتعد احداثه عن روح الحقائق التاريخية والمقرة بمناهج العلم الحديثة . بيد ان الفيلم رغم قبح مضمونه الا أنه لايبرر قتل السفير الامريكي في طرابلس ونهب محتويات السفارة في صنعاء ، واذا كان من حق العرب والمسلمين التعبير عن احتجاجاتهم وغضبهم جراء انتاج مثل هذه المسخرة الا ان ردود الفعل لاينبغي ان تصل الى مستوى الهمجية التي ينتمي اليها مخرج ومنتجي الفيلم. ومن الأحرى بنا ان ندرك ان قتل اي مواطن امريكي في بلداننا العربية بجريرة فيلم سينمائي اخرجه احد الهواة في امريكا، هو عمل دهماوي مناف لتعاليم الاسلام السمحاء ، بل ان مثل هذه الاعمال الرعناء تسهم في تسويق الفيلم وتخدم فكرة منتجيه . واغلب الظن ان مقتل السفير في ليبيا كان إما بدافع الخطأ أو انه بدافع سياسي محض لاينتمي الى الدين بصلة. وعودا الى حظيرة الفيلم يمكننا القول ان الفيلم لم يقدم اي حقائق تاريخية جديدة أو قديمة بقدر ما اكتظ بمزاعم الاكاذيب والافتراءات على نبي اقر اعداؤه اثناء بعثته بسمو اخلاقه ونبل مقاصده ، أما في سياق رسالته فكفى ان نذكر سكان هذا العالم ان محمد بن عبدالله جاء برسالة تقرن ايمان الفرد المسلم بالله بإيمانه بأنبياء الله من اليهود والنصارى وان رسالة محمد لم تتضمن اي نزوع عنصري ولم تشرعن له . بل ان رسالة محمد ودينه لايتقبلان من اي مسلم اسلامه ولايقبل منه الايمان بالله اذا كان منكرا لنبوة عيسى أو موسى أو ابراهيم أو اسرائيل عليهم السلام اجمعين ،ثانيا ان إمام الهداة محمد علمنا ان مثله ومثل الانبياء من قبله كمثل بنيان اكتمل لم يبق فيه الا موضع لبنة فجاء عليه الصلاة والسلام ليكمل موضع تلك اللبنة على مستوى البنيان الحضاري الديني العالمي . ومن السفه والغباء والعنصرية ان يتم تصوير الاسلام الذي جاء به محمد على انه مختلف أو مناف لما جاء به الانبياء من قبله ، او ان رسول الاسلام جاء ينشر دعوته بقيم قومه وليس بقيم الدين وهذا هو الإفك المبين. ومن المؤسف ان نجد اقلاما واسماء ضحلة تنبري للدفاع عن الفيلم باعتباره عملاً فنياً مع ان اؤلئك الكتاب سيدركون حتما لو كانوا يفقهون ان الفيلم لاينتمي لعالم الفن السينمائي بقدر ما يعزز فكرة الاسلام فوبيا المنتشره في اوساط المجتمع الامريكي ويسهم في تأجيجج نوازع العنصرية البغيضة التي بدات تداهم وعي الامريكيين وتجد ما يعززها من سفاسف الاعمال الضحلة على ذلكم النحو . أما فيما يتعلق بشخص محمد فيكفي أنه رجل يحظى باحترام وتقدير كل علماء الغرب وعقلائها إذ يقرون له بانه اعظم عظماء البشر وأكثرهم تأثيرا في حياة البشرية خصوصا في مجالي العدل والسلام . [email protected]