المقترح الذي أطلقه الملك عبدالله ملك السعودية في مؤتمر قمة الدول الإسلامية بمكة المكرمة حول إنشاء مركز أو مؤسسة للحوار بين المذاهب الإسلامية لم يكن مقترحا جديدا فلقد سبقه الإمام الخميني رحمه الله في الثمانينيات من القرن الماضي في الدعوة لذلك..ولأن الشيعة حريصون ليس فقط على الحوار بل التقارب فقد أنشأوا (المجمع العالمي للتقارب بين المذاهب الإسلامية) والذي تسلم أمانته العامة مؤخرا آية الله محسن أراكي.بعد المرجع الشيعي السابق آية الله (التسخيري). السؤال في ظل هذه الحملة المذهبية الممنهجة والتي تشعل أوارها جهات داخلية وخارجية هو..هل يستطيع الطرفان (سني وشيعي) الوصول إلى حوار يفضي لنتائج يتقبلها الشارع الإسلامي؟ مع أن التقارب وارد في الكثير من المسائل الفقهية والقضايا السياسية قديمها وحديثها بين الطرفين غير أن هناك الكثير من الإشكاليات والتي بدأت تطفو إلى السطح مؤخرا خصوصا في القضايا الجوهرية وفي مقدمتها (الإمامة). والواقع أن هذه الأحداث والقضايا لم تنته منذ موت رسول الله مباشرة وإلى اليوم!. على الرغم من التعايش الكبير بين الطائفتين في مراحل مختلفة امتدت لمئات السنين وصلت إلى حد المصاهرة في بعض الأماكن. حاليا أصبح الشارع السني معبأ من رأسه حتى أخمص قدميه ضد أي مسمى شيعي وذلك لعوامل كثيرة.. منها ظهور الجماعات التكفيرية المدعومة دوليا! وكذلك عدم الدمج المعرفي وتبادل العلوم وشتى المعارف الإنسانية لتذويب الاختلاف. إن عدم تربية المجتمع على الأخذ والاطلاع وتضييق مساحة الحرية كل ذلك أنشأ أجيالا متحيزة بل مستوحشة ومتوحشة نحو الآخر المخالف لها. بالرغم من إمكانية التعايش المذهبي والديني والعرقي تحت سقف الأخوة الإنسانية على الأقل كما هو حاصل في الكثير من البلدان!. هل صحيح ما يراه البعض في أن الجماعات الشيعية تؤسس لأحقيتها السياسية باتخاذ نصوص شرعية ووقائع عفا عليها الزمن ولم تعد مرتبطة بالحاضر وبمعنى آخر أنها توظف الدين للسياسة؟ في الحقيقة هذا السؤال العصري هو الذي يرجعنا لفتح ملفات الماضي عقائدي وسياسيا منذ نشوء الخلاف بين الصحابة( في السقيفة) و يحتاج إلى وقفات كثيرة سيأخذنا إلى تساؤلات عدة . ماذا لو أن الجماعات الشيعية بالفعل تؤسس لأحقيتها السياسية بنصوص شرعية لا يمكن أن يطمسها الزمن وهي أي النصوص الشرعية والوقائع مرتبطة ليس بالماضي فقط بل بالحاضر أيضا.. أرجو من القارئ أن لا يستعجل فيتهمني بالتعصب لأحد الفريقين لنكن موضوعيين ونناقش المسألة بطريقة أقرب للمنهجية العلمية. قضية التفضيل والتمييز اختص الله بها أهل البيت واقعا وبأدلة من الكتاب والسنة؟ لكن لا يعني ذلك أن بقية المسلمين محتقرون أو أنه سينظر إليهم بالنظرة الدونية من قبل الله أو أهل البيت..فلماذا البعض من المثقفين والعلماء يوهمون الناس بأن مسألة تفضيل بيت رسول الله معناه سلالية وتقسيم الناس إلى سادة وعبيد؟ الخالق اختص أهل البيت”أصحاب الكساء الخمسة” وهم رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين من سائر بيوت الصحابة بأن يذهب عنهم الرجس ويطهرهم تطهيرا بقوله( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) آية واضحة في أهل بيت النبي فهل يحق لأحد أن يسأل لماذا أهل البيت فقط؟ هل لأحد أن يقول لمولاه لماذا اختصصت بهذا التطهير(آل محمد) وأن هذه سلالية ستوجد تفرقة بين البيوت الأخرى ؟! وأما النص الشرعي الآخر الذي يستند إليه الشيعة للدلالة على أفضلية أهل البيت فهو نص نبوي صريح:(تركت فيكم شيئين ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض) لربما لم يسمع به الكثير من المسلمين اليوم أليس كذلك ؟ لأن مشايخ السنة يكتمونه ولا ينطقون سوى الرواية الأخرى والتي تنص على :( كتاب الله وسنتي) مع أن رواية ( وعترتي) والمقصود بالعترة أهل البيت موجودة في صحيح مسلم ومسند أحمد وغيرها من الكتب المعتبرة عند أهل السنة. فلماذا إذن لا يقولون وفي رواية أخرى كما نسمعهم دائما يرددون روايتين أوثلاثاً حول موضوع معين؟.هل كتمان العلم أو إخفاؤه من الأمانة العلمية؟ لكن السبب واضح فهم يدركون دلالتها ومغزاها جليا! .التمسك بآل البيت نجاة من الضلالة بعد كتاب الله بنص الرواية التي لا يستطيع أن ينكرها مشايخ الدين. هذه هي النقطة الجوهرية للخلاف فهلا بينوا للناس كيف يكون التمسك بالعترة ؟ أعرف أن البعض سيشرحها بمعنى المحبة لكنه يغالط نفسه!. فالشيعة يعتقدون بأحقية الخلافة بعد الرسول لعلي وآل البيت من بعده مستندين للكثير من الروايات في كتبهم بل بعضها موجودة في كتب السنة أيضا ! ولا نريد أن ندخل في عرض هذا الموضوع الآن. المسألة الأهم هي أن أهل السنة يخوفون الآخرين بعودة الإمامة وكأننا سنعود لحكم الفرد والسلالية والأسرية الشبيهة بحكم ملوك وأمراء العرب اليوم ،ويتجاوزون أقرب مثال اليوم وهو نظام الحكم في إيران صاحبة المذهب الإمامي.. فهل المرشد الأعلى حاليا علي خامنئي هو الممسك بكل مفاصل الدولة ؟أم إنه هو نفسه عليه رقابة من قبل لجنة تسمى لجنة الخبراء مكونة من كبار المرجعيات؟!! ثم أليست إيران تنتهج في حكمها مبدأ الديمقراطية ونظامها قائم على المؤسسات؟ أصل إلى صلب الموضوع.. وهو أن الجميع شيعة وسنة يؤمنون بهذا الأصل العقائدي أقصد (الإمامة )! غير أن أهل السنة وخصوصا عند أكبر الجماعات الإسلامية ( الإخوان) يتحرجون من النطق به صراحة وإلا ماذا تعني تسمية ( المرشد العام)؟! لاحظوا كلمة (العام) فما مهمته ؟ وما هي حكاية تحقيق الإمامة عفوا (الخلافة الإسلامية) ؟ لا فرق أصلا في المصطلح اللغوي بين الكلمتين .لكنهم حاولوا الابتعاد بمسميات أخرى! رغم التوافق الكبير بين (المرشد الأعلى للثورة والمرشد العام للإخوان). فمسألة (الإمامة،الخلافة) ؟ لايستطيعون التخلي عنها لأنها (مؤصلة شرعيا) فالأحاديث المصرحة بذلك كثيرة.. ورد في صحيح مسلم حديث :(إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة)وفي مسند أحمد (يملك هذه الأمة اثنا عشر خليفة) ركزوا على كلمة (اثنا عشر) طبعا آل البيت يؤمنون بهذا الرقم ولذا سموا بالإثنى عشرية فهم يؤمنون باثنى عشر إماما أولهم الإمام علي عليه السلام وآخرهم المهدي، ولا أريد أن أعدد بقية الأئمة وأهل السنة يؤمنون بحديث (اثنا عشر) ولا يعترفون سوى (باثنين)فقط!! الإمام علي وإمام آخر الزمان المهدي المنتظر المذكور بصريح الروايات أنه من نسل فاطمة أي من ( آل البيت)! فهل يعقل أن تؤمنوا بظهور أو (خروج ) إمام آخر الزمان ولا تؤمنوا ببقية الأئمة؟! أظن أن مسألة (الإمامة ،الخلافة) وضحت.. فلماذا إذن نعيب على طرف واحد ة في الإيمان بهذا “الأصل” وهو أصلا وارد في كتب السنة وفي القرآن ( يوم يأتي كل أناس بإمامهم ) ؟ هل يستطيع ( الإخوان) أن يتخلوا عن المرشد العام ( القائم بالخلافة )؟ أو ينكروا مسألة الحلم بالعودة إلى الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة ؟ نحن أمام فريقين ..فريق يؤمن بالإمامة وآخر بالخلافة كما ورد على لسان “الإمام” حسن البنا (الوصول إلى الخلافة الإسلامية).فمن نصدق ونتبع من يؤمن بها صراحة ويعتبرها أصلا من أصول الدين أم من يستخدم ( التقية) ويغازلها عن بعد.؟!