كأني بها كائن حيّ.. تعترض حياته حالات من الضعف, ثم لا تلبث أن تعقبها قوة أشبه ما تكون بالربيع المتجدد, الذي يمنحها طاقة جديدة تتزود بها لتقطع مسافة زمنية تالية!! وعند نقطة ما تخفت هذه الطاقة ليدب الضعف من جديد, ينهكها رويداً رويداً، حتى إذا بلغ منها مبلغه, عادت لتستأنف رحلتها مع ربيع تالٍ.. وهكذا دواليك!! فبعد قيامها الميمون في حالة من النضارة والعنفوان في السادس والعشرين من سبتمبر من العام 1962م .. قطعت مسافة زمنية تقدر بخمس سنوات ميلادية، غلب على رحلتها طابع الحماس الثوري الملتهب، باسطاً زخمه الشبابي المتأجج في أرجاء الوطن اليمني الكبير الواحد الموحد، روحياً والمشطر صورياً فترتوي النفوس المتعطشة للحرية والانعتاق.. لتبلغ ذروة عطائها الثوري الزاخر في الرابع عشر من أكتوبر 1963م. لكنها وعلى بعد يوم أو بعض يوم من الثلاثين من نوفمبر الجلاء, هاجمها فيروس رجعي إمبريالي عنيد.. ظلت تقاوم صلف حمَّاه اللعينة سبعين يوماً متواصلة دون انقطاع! ولم يكد ينتهي شهر فبراير ويبدأ شهر مارس من العام 1970م, حتى استعاد جهازها المناعي قوته، طارداً الفيروس الخبيث، ومنهياً وطأة حمّاه القاتلة، لتستعيد ثورة الشعب الأبي المناضل زخمها وحماسها، بادئة رحلة ثورية جديدة، لم يخفت أوارها إلا في النصف الأول من العام 1974م. وفي النصف الأول من شهر يونيو من هذا العام نهضت ثائرة من كبوتها الثانية لتشهد عنفواناً ثورياً من طراز آخر.. اختفت عنده لغة العنف الثوري، وحلت محله لغة العنف التنموي الشامل.. فيعم الخير والأمن والسلام!! وما إن ناهز عمرها المديد قرابة عقدها الثالث حتى شهدت انبعاثاً ثورياً جديداً بلغ ذروة مجده في النصف الثاني من شهر مايو من العام 1990م!! منجزاً أغلى وأعظم هدفاً مرسوماً لها هو «الوحدة»!! وعلى ذات المنوال التناوبي بين الضعف والقوة واصلت رحلتها الجديدة لنجد أنفسنا، ونحن على مشارف عقدها الخامس، عند انبعاثة ثورية جديدة امتزجت فيها طاقتا سبتمبر وأكتوبر معاً في مشهد يعيد لأذهان كبارنا حماسة انطلاقتيهما الأولى، ويرسم في أذهان من لم يشهدوا شرارة قادحهما الستيني الجبار صورة شعلتها المتوهجة عند اندلاعتها البكر، وهي تضيء بأنوارها الثورية الزاهية سماء الوطن وأرجاءه.. فتنعكس إشراقات في فضاءاته وآفاقه البعيدة!! واليوم.. كأني بها عاقدة العزم على اختتام نصف قرنها الأول، وتدشين نصفه الثاني، بهذه الانبعاثة الثورية الشبابية السلمية الصاخبة.. معلنةً للبرية، وبإصرار عجيب، وبإيمان راسخ، وثقة منقطعة النظير، عزمها الأكيد على بناء «يمن جديد» بفكر جديد وبثقافة جديدة وبرؤى جديدة، الحرية فيها حجر الزاوية، ومداميك أساسها العدالة والمساواة والعيش الكريم!! لكنها في الوقت ذاته تصرخ وتقول لقوى الاستبداد والفساد .. أعداء الحرية والتقدم: قفوا عند حدود جهلكم.. كفوا عن غيكم وبغيكم.. فلا غالب لإرادة الله!! وهل إرادة الشعوب إلاَّ من إرادة الله؟!. [email protected]