تضرب الحيرة عقلي بقوة ، وتصيبني سهام الدهشة والفزع بعنف ، وتتجاذبني أفكار شتى ، وتدور في مخيلتي أشياء عجيبة وغريبة ، كل هذا يصيبني عندما أسمع أو أرى ما آلت إليه أحوال بعض (رفاق) الثورة الذين لم يرفقوا بها ولا بنا ولا حتى بأنفسهم بل ظلوا في سكرة غبائهم واستغبائهم بالآخرين يعمهون !. إذ كيف لعقلي (المسكين) أن يتخيل أن من كان يقف معي بالأمس في صف الثورة ، ويتقاسم معي قطعة الخبز ، ويسير بجانبي في المظاهرات والمسيرات إنما كان يؤدي دوره المطلوب منه في مسرحية (الثورة المضادة) ، وذلك حتى يكسب ثقة الناس ، ويحوز على رضاهم ، وعندما تأتي ساعة (الصفر) إذا به ينحرف عن مسار الثورة كلياً ، ويحارب الثورة باسم الثورة نفسها ، ويبذل كل ما في وسعه من أجل أن يعيق مسير خط الثورة ، مستخدماً في سبيل تحقيق أهدافه (المغشوشة) كل الوسائل والأساليب والسُبل بغض النظر عن مشروعية استخدامها مع رفاق الثورة وأصدقاء (الخيام) وإخوان الألم والأمل !. وما يشعرنا بهول ما نحن والثورة واقعان فيه أن جُلَّ التصرفات التي تضر بالثورة وتحد من قوتها تأتي تحت يافطة واحدة ، وهي (إنقاذ الثورة) ، تصوروا : إنقاذ الثورة يأتي – كما يتصور هؤلاء – عبر إثارة المشاكل والنزاعات في ساحات الثورة ، وإدخال (الشك والريبة) بين المكونات الثورية التي كانت (سمناً على عسل) بدون هؤلاء المنقذين ، (إنقاذ الثورة) يأتي بمد الأيدي إلى من (غُمِّست) أيديهم بدماء شهدائنا على اختلاف انتماءاتهم ، والتنسيق معهم ، والسير في صفهم وإن كان باسم الثورة ، حتى يُحدثوا (شرخاً) في صف الثورة والثوار ، ظناً منهم أن الثورة ستندحر عندما تأتي (الخيانة من الداخل) ! . (إنقاذ الثورة) يأتي بتخوين ذاك المُكَوِّن ، واستعداء مكونٍ آخر ، والتشكيك في ثورية فلان ، ونشر الشائعات وكيل التهم وتوزيعها في جميع الاتجاهات ، الحزب الفلاني استحوذ على الثورة ، والفئة الفلانية هي الخاسر الأكبر ، وانضمام فلان أفسد الثورة وأولئك يستلمون الدعم ويخفونه ، وهؤلاء يسعون لتنفيذ أوامر حزبهم بعيداً عن الثورة ، وتلك المجموعة استولت على (المنصة) وأخفتها عن أعين الآخرين ، وذلك الحزب يلعب على الحبلين ، وذاك الشخص لا ينفع أن يكون ثائراً لأنه (شيخ) ، وتلك المرأة لا تستحق الجائزة لأنها إصلاحية ، والكثير من الكلام الذي يذكرني ب(الفرغة) التي تعم مجالس (التفرطة) النسائية ، التي لا هدف لها إلا إضاعة الوقت وإشباع اللسان من رغبتها في الكلام و(الهدرة) الفاضية ، مع فارق أن (هدرة) النساء لا تفسد الوطن ولا تثير الكراهية فيه كما تفعل (هدرة) منقذي الثورة ! . (إنقاذ الثورة) يكون بالانبطاح والخضوع والركوع أمام أهواء وإملاءات طرف خارجي لا يريد خيراً للبلد مقابل حفنة من المال الزائل ، وتنفيذ كل الأوامر مهما كانت ، والتعاون والتنسيق الكامل الذي يصل إلى حد الاندماج والتوحد مع جماعات تريد أن تُعيد البلد إلى عهد الإمامة ، مدعية بأن الشعب صنفان : سادة وعبيد ، وفي سبيل تحقيق ما تريد ستفعل كل شيء ، بما في ذلك رفع السلاح في وجه الدولة ، فمن رفعه ست مرات من قبل ، لن يفكر ولن يحسب أي حساب لرفعه لمرات ومرات قادمة ، خاصة إن رأى انجرار مثل هؤلاء إلى صفوفه !. (إنقاذ الثورة) يكون بتلقي الأوامر ممن قامت الثورة أصلاً عليه ، والعمل المشترك مع من لا زالوا في صفه ، وقيادة ثورةٍ مضادة تدوس على دماء الشهداء ، وتصم أذنيها عن سماع أنين الجرحى ، وتتعامى عن رؤية التغيير ، وتغض النظر عن كل ما جرى في سنتين من عمر الثورة ، والأدهى والأمر أن تُحضر قيادات كرست دقائق حياتها طيلة عمر الثورة للتحذير منها ، وللتبرير للمخلوع بقتل الثوار ، وللاستهزاء بالشهداء والجرحى ، ثم تأتي هذه القيادات – وبكل وقاحة وصفاقة - إلى ساحات الحرية لتحاضر من حضر في كيفية (إنقاذ الثورة) ، وعندما يعترض الثوار على وجود مثل هؤلاء يسارع رفاق الثورة و(منقذوها) الأشاوس إلى الاعتداء على الثوار ، حتى وصلت بهم (قلة الحياء) إلى الاعتداء على النساء بالضرب وإطلاق النار كما حدث في ساحة الحرية في تعز ، وتحديداً في خيمة جبهة (إنقاذ الثورة) . أتسمون هذا إنقاذاً للثورة ، أم إنقاذاً للنظام السابق ، وتشويهاً لاسم الثورة التي كشفت (أقنعتكم) ، وأماطت اللثام عن وجوهكم الحقيقية التي لم تخفِ بشاعتها (مكياجات) المناداة بالدولة المدنية و(كريمات) التحجج بالثورة و(دهانات) الأقوال البعيدة كلياً عن الأفعال.. يا هؤلاء أنقذوا الثورة من شرور أنفسكم ، وضغائن صدوركم ، وأحقاد قلوبكم ، وسيئات أعمالكم .. أنقذوها بابتعادكم عنها ، فليس هنالك مجال للضحك على الذقون بعد الآن ..الثورة لا تحتاج إلى إنقاذ ، إلا في حالة واحدة ، وهي استمرار وجودكم فيها حينئذ سيقف الشعب صفاً واحداً في وجوهكم ، وذلك ل(إنقاذ الثورة) !!